محمد زبيبثمّة مفارقات كثيرة في تعامل السياسيّين مع ملف الكهرباء، فهؤلاء الذين يتحمّلون المسؤولية الأساسية عن التدمير المنهجي لواحد من أكثر القطاعات حيوية، يصرّون اليوم على رفع شعار «الخصخصة» كمطلب وطني، أو خيار وحيد، أو باعتباره الشر الذي لا بد منه... ولعل موقف الرئيس نبيه بري الأخير يعبّر بوضوح عن هذه المفارقة. فالرجل الثاني في سلّم المقامات الرئاسية، والذي احتكر وزارة الطاقة لسنوات طويلة، قصد أن يخاطب جمهوره المحتشد في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر في النبطية، بأن شكواهم المتعاظمة من تردّي أوضاع الكهرباء في مناطقهم وقراهم المحرومة لا يمكن معالجتها إلا ببيع هذا المرفق العام الى حفنة من المستثمرين المنتفعين، باعتبار أن «الدولة تثبت يوماً بعد يوم أنها منتج فاشل للكهرباء».
المفارقة الاخرى في هذا السياق، أن الرئيس بري طرح الأمر بصيغة السؤال: «لماذا تتأخّر خصخصة قطاع الكهرباء؟»، وهو بذلك حاول أن يوهم الجمهور المحروم بأن خصومه السياسيين «الطبقيين» يقفون حجرة عثرة في وجه هذا «المشروع الوطني»، بدلاً من أن ينبّههم الى أن هؤلاء الخصوم هم أصحاب المشروع الأصليون.
وهناك مفارقة ثالثة لافتة أيضاً. فكلام بري عن ضرورة خصخصة الكهرباء يأتي في ظل معركة قاسية يخوضها «الحليف السياسي» الوزير ألان طابوريان ضد محاولات البعض في الحكومة لفرض خيار الخصخصة. والغريب أن طابوريان وقبله الوزير السابق موريس صحناوي، هما الوزيران الوحيدان اللذان قدما الى وزارة الطاقة من القطاع الخاص (الأول صناعي والثاني مصرفي)، وهما الوحيدان اللذان اعترضا على هذا الخيار، ورفضا تضمينه في خططهما لإنقاذ مؤسسة الكهرباء من نير الطبقة السياسية وفسادها.
وتبقى مفارقة أخيرة، إذ إن البنك الدولي (وهو عرّاب الخصخصة على المستوى العالمي) وضع دراسة عن قطاع الكهرباء في لبنان، وخلص الى أن استثمارات القطاع الخاص ترفع الكلفة ما بين 1.6 و3 سنتات لكل كيلوواط/ ساعة بالمقارنة مع استثمارات القطاع العام، وهذا قبل احتساب الارباح وكلفة الضمانات، وهذا يعني أن ما قاله عدنان عرقجي أمس عن أن الخصخصة توفّر الطاقة للشعب اللبناني بمعدل 24 ساعة يومياً، وبأسعار أقل من التسعيرة المعتمدة في لبنان... هو قول لا يمتّ الى الحقيقة بصلة.