سارة أسعدالوشم فن قديم جداً، عُرف في مصر الفرعونية والصين وعند شعوب أميركا، وكانت تختلف دلالاته عبر الأزمنة. فكان علامة تدل على الدّين أو المركز الاجتماعي أو القوى الخارقة التي «يملكها» الموشوم أو يريدها. ثم تطوّر الوشم ليتخذ بعداً جمالياً، حتى تحوّل في ما بعد إلى دلالة على انتماء المرء لمجموعة محددة: عصابة أو طائفة أو حتى فريق سياسيّ.
دايفيد ديريغيايان، فنان لبناني حقق حلمه وافتتح محله الخاص في Jdeideh Tower. ما إن ندخل إلى «عرينه»، حتى تعترينا رغبة بالصمت وتأمل لوحاته وتفاصيلها المتقنة وألوانها المصقولة بعناية وشغف.
الفتى الكبير الأسمر الذي لا يحتاج إلى أكثر من ألوان وأوراق يداعبها بحب وعناية.
يرفض أن يُسمّى بـ«الشب يلّي بدقّ تاتو»، يرى عمله من أرقى أشكال الفن، فاليد التي تُلقى على جلد إنسان فترسم عليه خطوطاً مميزة وتجعله لا يشبه سوى نفسه تكون يد فنان عظيم.
دايفيد لاعب كرة سلة محترف، وهو أيضاً درس علم النفس الكلينيكي في الجامعة الأميركية في بيروت. بدأت قصته مع الفن عندما كان في الثانية عشرة من عمره، فاز يومها بمسابقة رسم، ورفضت والدته أن يمتهن الفن لأنه «ما بطعمي خبز». لاحقاً، أراد الحصول على وشم، فبدأت رحلته مع هذا العالم الكبير من الألوان والتصاميم، صار يرسم التصاميم لأصدقائه مستعملاً أدوات بدائية، في غرفة من منزل العائلة. وبإصرار وصبر، تمكّن في ما بعد من شراء الأدوات اللازمة، وبدأ العمل عند فنان صديق له علّمه الكثير من أسرار الوشم وائتمنه على محله طوال خمس سنوات، تمكن خلالها من اكتشاف الأبعاد الثقافية للوشم وتطوير رؤيته الخاصة لهذا الفن.
يتحدّث دايفيد عن الوشم بكثير من الشغف، يقول إنّ رؤيته تحمل أبعاداً من الفلسفة وتحقيق الذّات عبر إرساء حالة من الثّبات في عالم من المتغيّرات السّريعة، يمنح زبائنه هدية تبقى على الجلد مهما تطوّرنا وتحوّلنا، فدايفيد مسكون بهاجس الفنانين الكلاسيكيين؛ لعبة غشّ موتنا بأبديّة العمل الفنيّ. يضيف أن الوشم أبعد ما يكون عن زرع لون تحت الجلد، بل هو الطريقة التي نلمس بها الإنسان أمامناً، عارياً مجرّداً من كلّ التّحفّظات والقيود الّتي تبقينا بعيدين.
الخطأ ممنوع هنا، والرّسمة لا تتكرّر. أمّا عن تصاميم دايفيد المخصّصة لزبون محدّد فلا تتكرّر على جسد آخر، ولا يعرضها على الإنترنت ولا في الإعلام خوفاً من السّرقة.
أولى الخطوات هي التّعرّف إلى الزّبون، وإرساء حالة من الاسترخاء ثمّ اكتشاف رؤيته وما يريده من الوشم. يعدّ دايفيد تصاميم مختلفة لما اتُّفق عليه، يختار منها الزبون ما يعجبه... وتبدأ المغامرة.
معظم الرّسومات التي يقوم بها تكون تصويباً لوشم سيّئ أو تغطية لندب على الجلد، ويحصل ذلك بألوان أدكن من اللون الأساسي وعلى مساحة أكبر.
من تحدّيات الفنّان أن يرضي أذواق زبائنه على تنوّعها واختلافها، أمّا في عمليّة الخلق هذه فعلى الرسّام أن يجعل رؤيته تتماهى مع رؤية الزّبون، فراسم الوشم يبيع أكثر من لون على الجلد، يبيع الحلم بأرقى درجاته.