حلا ماضي الكلمات القاسية واللاذعة التي ينطق بها الأهل أمام أطفالهم لا تمر مرور الكرام، بل تترك آثاراً بليغة تضر بسلوكيات الأولاد عندما يصبحون في سن الرشد. الكلمات تحمل أيضاً انفعالاً يوجّه إلى المستمع كمخرز، أو يناسب أذنه كإكسير شافٍ، وهي كما يقول الكاتب والباحث في شؤون التربية جان ديديه فانسان، فلسفة متكاملة. ويلفت فانسان إلى أن الإنسان منذ تمتماته الأولى وحتى ألفاظه الأخيرة، يتفوه بملايين الكلمات، ويقول إن كلمة واحدة قد تختصر الانفعال، والألم، والمأساة، والشعر، والحب... إنها عالم بأسره.
عندما يتعلق الأمر بالتربية، قد تصبح الكلمات مرضاً يجب استئصاله، ولكن بمَ نستبدله؟
يحمل الطفل طاقة انفعالية، وترتكز معرفته أساساً على انطباعاته: أحب أو لا أحب، من هذا المنطلق، يعالج جوزيف ميسنجر (معالج نفسي متخصص في رموز الحركات) وكارولين ميسنجر (المتخصصة في العلاقة بين الأهل والأولاد) في كتابهما التربوي «كلمات نقتل بها أولادنا، لا تقلها أبداً!».
الكتاب في ترجمته العربية صادر عن دار الفراشة، وفيه عناوين وتفاصيل يومية قد لا يلتفت إليها الأهل «لبساطتها وانتشارها بين معظم الأهل، ولكنها في الواقع تدخل وتؤثر في صلب تربية الأولاد» من خلال كلمات يرميها أو يوجهها الأهل لأطفالهم بنية الإرشاد والتحفيز، غير أنها تذهب في اتجاه معاكس تماماً وتصبح كالجرثومة التي تنخر قدرات الأولاد وتضعفها. ولتفاديها يتعين على الأهل التدقيق في كلامهم.
تقول الأم لابنها «أنت ولد شرير، لم أعد أحبك» فهذا إعلان رهيب للتلاعب بعواطف الابن. في هذه المواجهة تختبئ الأم وراء السلطة المطلقة التي تمتلكها: حق الحياة والموت على ولدها. وعندما تتهم الأم ابنها بالسوء فإنها تُضعف عامل الثقة الذي يجمعها بابنها، ويرسم الولد لنفسه صورة تتلخص كما يلي: «لست جديراً بأن تحبني أمي لأنني ولد شرير!».
يتوجه مؤلفا الكتاب إلى الآباء والأمهات، فيساعدانهم في تعلم كيفية إزالة السموم من كلامهم، واستعمال كلام أخف وطأة على الأولاد ولها التأثير الإيجابي والصحيح، فينصحان بالابتعاد عن «الابتزاز» بجميع أشكاله، كوعد الأم لابنها بأنها ستشتري له دراجة من أحدث طراز إذا حقق نجاحاً مدرسياً مهماً، وهذا ما يجعل الصغير لا يتجاوب مع الأهل إلا مقابل مكافاة، ويرى الكاتبان أن كلمة «إذا» هي عدوّة تطور الوعي عند الطفل.
ويقترح الكاتبان استبدال كلمة «إذا» بـ«عندما»، لأن استخدامها يغير المعطيات ويزيل التلوث من الرسالة الشرطية. فتكفي أشياء قليلة لجعل ولدكم يتحمل مسؤوليته. ينصح الكاتبان الأهل بأن يكونوا مربين وليسوا فقط أماً أو أباً لهما الحق بإملاء ما يريدون على أولادهم.