رمزي خوريبعد نصف قرن على حفلة فيروز والأخوين رحباني في معرض دمشق الدولي 1958، وكانت قبلها حفلة نادي الضباط (حيث أنشدت قصيدة عنفوان لعمر أبو ريشة) وحفلة في دار الكزبري في دمشق أيضاً، ها هو زياد عاصي رحباني يحيي حفلاته الموسيقية «التاريخية» في قلعة دمشق ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافية العربية.
قد تكون صفة «التاريخية» مبالَغ بها أو غير علمية، بيد أنها الأقرب إلى الواقع طالما حدثت عدة أمور «لأول مرة» غير الموقع الجغرافي:
* لأول مرة تجمع فرقة موسيقية نموذجية كهذه خدمة لعمل موسيقي أولاً وأخيراً من دون وجود «نجم» أو حكي. ليس العدد فقط هو ما أقصد بل وفرة الأنواع: النحاسيات، الخشبيات، الوتريات الغربية والشرقية (خاصة بزق وجمبش/ عاصي وزياد!)، الإيقاعات على أشكالها، والبيانوهات إلى جانب التجهيزات.
* «لأول مرة» تعبير مكرّر لزياد رحباني عن إحساسه وبكل ليلة (على الأقل 4/5 التي حضرت)، كذلك انطباع الجمهور.
* تأكيد إنتاج «أمانة احتفالية دمشق»، بشخص السيدة حنان قصاب حسن، لأسطوانة فيروز المنتظرة منذ حفلاتها مع زياد 2003، علّها تكون باكورة أعمالٍ كتبنّي إذاعة دمشق لأعمال فيروز والأخوين رحباني مطلع الخمسينيات، لذا أوردت المقدمة أعلاه، وخاصة بعدما استعادت فيروز شخصيتها الحقيقية للمشاهد الجديد، بعد عروض مسرحية «صح النوم» (2006 ـــ 2008) النموذجية للأخوين رحباني وبأفضل الشروط الموسيقية والإخراجية.
* أخيراً وليس آخراً، الحفلة ومكوناتها، وهنا تنويه بهندسة الصوت لتوصيلها أدق التفاصيل إلى المستمع. ربما تكون وصلت المقطوعات إلى صيغها النهائية، إذ إن عاصي رحباني كان يقول «ما في شي نهائي».
قبل أن أبدأ باستعراض بعض لمعات الحفلة، عليّ أن أعتذر لكوني لست موسيقياً بل أحد الشغوفين بمجمل أعمال فيروز والأخوين رحباني وزياد رحباني. لقد تخلل الحفلة أغانٍ مؤداة بمعظمها من الكورال والجمهور! في ما يلي بعض اللمحات وخاصة أن الهاجس دائماً هو الجديد (طالما لا مؤلفات جديدة):
1. استهلال بموسيقى «تدمر»، كما اعتقدناها نسخة عن أسطوانة «بيت الدين» لكن جملة النغمة الأساسية أصبحت متكسّرة وكذلك جوابها وكانت إضافات في الليلة الثانية!
2. «أبو علي» بدأت بشكل مفاجئ ببدائية متناقضة مع خلفية وتريات، ثم يأتي الطبق الرئيسي من نحاسيات وخشبيات تتناوب على لعب النغمة الأساسية.
3. مقدمة «ميس الريم» جمعت بين الأصل 1975 بإبراز الـ triangles congas ثم يبدأ التوزيع الجديد.
4. مقدمة 83 سولوهات متداخلة خاصة لـ«الفلوت».
5. أضيفت جملة كلمة على «عودك رنّان»، بدايتها نحاسية ونهايتها خشبية مثل مشهد «سبور» من فيلم «بنت الحارس»! كذلك فإن النهاية جديدة «عيييدا وزلغوطة»!
6. مفاجأة الفصل الثاني «مش فارقة معاي»، أصبحت سمفونية معبرة!
7. «وقمح» كانت الإبداع بعينه وكانت نهاية دراماتيكية ملحمية.
وأخيراً غنى زياد بروح المؤلف «بلا ولا شي»، «شو هالإيام»، «بما إنو» وواكب باسل داوود بروح فيروزية في «أهو دا اللي صار» (للسيد درويش/ بديع خيري) كي لا «تتمصرن»، وكممثل بـ«آن فير شي نو».
وعزفت بلا تعديل أساسي: «لولا فسحة الأمل 2»، بالنسبة لبكرا شو 2»، «يا ليلي ليلي» (سولو رشا رزق)، و«جسر القمر» للأخوين رحباني.
طبعاً افتقدت فيروز، وكانت حاضرة في الوجدان وعلى لسان زياد، وأبداً لم تكن حاضرة بأي شكل في حفل مطربات لبنان الصارخات وكذلك الأخوين رحباني فهما بريئان من حفلة «الأرابيسك» على الشاطئ.
هل يصدح الفن الصحيح ويستعر في رحابنا؟
قصيدة عنفوان من ديوان «مختارات» ومن محاسن الصدف أننا وجدناها في زاوية مهملات أرصفة البسطات!