فداء عيتانيإذا ما صدقنا خطابات النائب سعد الحريري، فإن الاجتماع الذي عقد في دارة مفتي طرابلس مالك الشعار للمصالحة والذي ضمّ الى سعد، نادر الحريري وسمير الجسر، وعلي ورفعت عيد، كان عبارة عن رعاية سعد للمصالحة، أي إن أطرافاً مجتمعة عقدت صلحاً ورعاه الشاب. ربما كان المتنازعون في الشمال هم المفتي وآل عيد، ولكن كون الاجتماعات المماثلة تعقد في أماكن محايدة، فإن الأرجح أن نادر الحريري والجسر هما من يصارع آل عيد في الشمال، ولكن لكونهما من جناح سعد فلا شك في أنهما خارج المعادلة، فلا يبقى إلا أن الأب وابنه يتصارعان، ويكون عندها النزاع العلوي العلوي يستخدم كلاً من المقاتلين العلويين والسنّة. فما دامت الأطراف الأخرى غائبة عن اجتماع المصالحة، تنتفي كل الاتهامات التي ساقها المستقبل سابقاً ضد الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي وضد جبهة العمل الإسلامي وحتى أفواج طرابلس والسلفيين وغيرهم.
هذه التحشيشة السياسية تناسب تماماً خطاب سعد الحريري، الذي يرى أن ما يجري في الشمال «مخطط أسود خارجي» وأن العلويين عليهم أن يتذكروا أنهم لبنانيون، كما تناسب وتتكامل مع الكلام عن العاصمة السنية، للنائب محمد كبارة، ولكنها لا تتناسب مع ما يجري ميدانياً.
يفترق الشاب في خطابه عن الواقع، وكل ما قدمه من تصريحات في الأعوام الثلاثة الأخيرة يمكن اختصاره بعبارات قليلة، «أنا سعد الحريري، المحكمة، السيادة، نحن ندعوكم، لبنانيون، سنعوّض، لبنان أولاً».
الهجمة على طرابلس تستمر، ليس الرئيس السوري وحده من يخشى ما يجري في الشمال، بل مصر أيضاً، والاتحاد الأوروبي، وغيرهما، ولكن الهجمة على طرابلس تستمر. أسقط التفاهم الذي يمكن أن يوقف الخطاب المسعور الذي يلقى على عواهنه. توجّه السفير السعودي الى طرابلس لنسمع من فم مالك الشعار أقسى الخطب المذهبية. استدعى السنيورة طرابلس لمزيد من الوعود الكاذبة، وها هو الحريري هناك يصالح آل عيد ويحارب المخطط الأسود الخارجي.
لم يستلحق الحريري نفسه بالزيارة وحسب، بل أغرق نفسه في دوامة شمالية صنعها بنفسه ولن تلبث أن تنفجر. وحينها، كما اليوم، يحق لنا أن نسأله عمّن يقف خلف مجزرة طرابلس، الأكثر دموية بعد اغتيال رفيق الحريري.