عدلان مدي *«حتى في ذروة الأزمة الأمنية في التسعينيات، لم نكن بهذه الدرجة من الهشاشة»، حسب شهادة ضابط سامٍ في الاستخبارات. فيما يتساءل خبراء أمنيون عن جدوى تجنيد 320 ألف شرطي ودركي حالياً مقابل نتائج كارثية، مع أنه، في التسعينيات، لم يتجاوز هذا العدد الـ37 ألف مقابل نتائج أنجع.
فما الذي حقق كابوس الجنرال المذكور سابقاً؟
للإجابة عن هذا الهاجس التروماتولوجي توجه العديد من الملاحظين إلى التساؤل عن انعكاسات سياسة العفو المنتهجة من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ توليه الحكم في 1999.
فمنذ إقرار قوانين ما يسمى «الوفاق المدني» في 2000 و«السلم والمصالحة الوطنية» في 2006 ـــ أساساً قوانين عفو متناقضة ومبادئ العدالة والحقيقة ـــ دافعت السلطة بشراسة عن نظرية «عودة السلم إلى ربوع الوطن»، وتبنّى العديد من المسؤولين الأمنيين خطاب «الإرهاب المهزوم».
ففي 2002 تنبأ مدير الشرطة الجزائرية، العقيد علي تونسي، بـ«قرب تصفية الإرهاب»، معلناً توجيه أولويات الأجهزة الأمنية نحو محاربة الجريمة المنظمة. فسُرّح المدنيون المسلحون من طرف الدولة من فرق الدفاع الذاتي، بل قررت السلطات حل اللجنة الوزارية المشتركة لمحاربة الإرهاب وتسريح ضباط ذوي خبرة كبيرة في محاربة الإرهاب دون ملء هذا الفراغ الأمني والاستراتيجي. كما أُعيد نشر قوات الشرطة الخاصة المضادة للإرهاب، وحُلّت في 2006 «المصلحة المركزية لقمع الجريمة» التي أصبحت منذ تأسيسها سنة 1992 من أهم أجهزة محاربة الإرهاب. «أهدى للإرهابيين اختفاء هذا الجهاز انتصاراً سيكولوجياً مهماً» حسب أحد ضباط هذه المصلحة. لكن لم يكن فقط هاجس فرض «عودة السلم» هو الذريعة الوحيدة لهذا التفكيك الأمني.
فقد تزامنت هذه الصيرورة باحتدام الصراع بين جنرالات الجيش المتشددين، أول المسؤولين عن الحرب ضد الإرهاب، والرئيس بوتفليقة الغيور على سلطته الانفرادية الذي كان يستعد لعهدة ثانية. فقد حاول الرئيس الجزائري قدر الإمكان التخلص من نفوذ العسكر، الذين أهدوا له الحكم في 1999، بهدف تركيز دواليب السلطة بين يديه والإفلات من قبضة الجيش صانع الملوك.
وبعد انتصار بوتفليقة برئاسيات 2004، توالت الاستقالات والإحالات على التقاعد وطالت العديد من الضباط السامين الغاضبين، وعلى رأسهم العميد محمد العماري، قائد أركان الجيش ومهندس الحرب ضد الإرهاب بين 1993 و2004.
«لقد اغتنم تنظيم القاعدة تذبذب أداءات الأجهزة الأمنية التي وقعت رهينة الصراعات داخت السلطة» حسب تعليق صحافي متخصص في المسائل الأمنية، مضيفاً أن «أجهزة الأمن تعاني من عزلتها عن شبكاتها الاستعلاماتية نتيجة السياسات المنتهجة منذ سنوات 2000، لكن في الوقت نفسه تحاول الاستخبارات المحافظة على نشاطها كشرطة سياسية منهمكة في مراقبة الصحافيين والمنظمات الحقوقية دون نتائج تذكر».
يبدو أن «الكارثة» التي حذر منها الجنرال الجزائري المذكور قد تحققت، إلى حد أن عقيد الاستخبارات المتقاعد محمد شفيق مصباح اعترف لجريدة «الخبر»: «إذا نظرنا إلى الأوضاع السياسية السائدة في الجزائر، فعلينا أن نرى أن مصالح الاستعلام الجزائرية لم تعد قادرة على منع حركة اجتماعية قوية في اتجاه التغيير».
* صحافي جزائري