خليل عيسىتأتي إلى طرابلس معتقداً أنّ أجواء رمضان ستطغى على مشهدها العام. تصل ساحة «التلّ»، لكن أول ما تلاحظه هو.. اختفاء أي زينة لرمضان! يبدو الأمر غريباً على العين. فأنت تعوّدت أن ترى الزينة منذ اليوم الأوّل، ولكن الآن وبشكل غير مفهوم، لا شيء. تسأل عن ذلك تاجر ملابس نسائية متّكئ على باب متجره فيقول إن «الزينة ستقام حتماً، ولكنّهم تأخّروا بسبب الأوضاع». إنها الظهيرة في «شارع عزمي». حركة السيّارات والناس شبه معدومة. لا شيء يدّل على أننا في رمضان إلا غياب الصائمين عن الشوارع.
سوق الخُضَر على ضفاف نهر «أبو علي». لا يتغيّر المشهد كثيراً: إقبال ضعيف جداً على الشراء. يشرح قاسم الأعور أحد أصحاب بسطات الفواكه بلهجته العكّارية «يا خييّ العالم خُوُيْفا (خائفة)...الوضع مابيِسو (سيء)». يقول إن الرجال عادةً ما يرسلون النساء إلى السوق، لكنه «لن يرسل أحد حرمَته وأنا أولهم» إلى مكان قد تندلع فيه معركة بالرصاص. حركة الشراء ضعيفة جداً. نحن في العصر. يسمعنا «أبو العتر» وهو بائع آخر من أمام بسطته للتمور. يشارك في الحديث بهمّه «مش بس الوضع الأمني... لِك العالم ما معا مصُوري (نقود)!"، و يزيد «اتركها على الله يا أبي! اتركها على الله!».
سوق الدبّاغة حيث محالّ بيع الأحذية المستعملة أو «البالة» كما تُعرف في طرابلس. يستقبلك عبد الله هيثم. هو من التيار السلفي. يمازحك ممسّداً لحيته «هل جلبت لنا أكياس المال؟»، غامزا من قناة الكلام الذي يتحدث عن تمويل السلفيين. تجذب الضحكة التي قابلنا بها «مزحته»، التجّار الآخرين «نكشّ الدبان طوال النهار» يقولون متضاحكين من مصيبتهم الاقتصادية. يعلّق أحدهم «نحن من تيّارات سياسية مختلفة، لكننا كلنا بلا زبائن ...وحدة وطنيةّ!». يضحكون مجدّداً.
سوق العطّارين. السوق بعيدة عن مناطق التوتّر الأمنية. يختلف المنظر جذرياً هنا: حشد لا نهائي من الناس يملأ السّوق المسقوف. سجّادة متحركة نسجها الناس بأجسادهم. الإقبال على أشدّه هنا على شراء الأطعمة ولو «أقل بنسبة 70%»، كما يقول أبو منصور، صاحب محل لبيع الخضر. يناول الحاجّة أكياسها الممتلئة مردفاً «العالم ما فيها تشتري مثل قبل، ما في شغل بالبلد». يضيّفك تفّاحتان «كرامة شهر رمضان». بائع اللحمة المجاور، أبو منصور، يقول إنّ الأسعار غالية بسبب تجّار الجملة وارتفاع أسعار المحروقات. ينهي حديثه غاضباً بآيات قرآنية مناسبة و«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».