فايز فارسيكثر الحديث من حين إلى آخر عن المجتمع المدني ودوره في تنمية روح المواطنية لدى الناس، أي الشعور بالانتماء إلى وطن يجمع الشمل حول مبادئ المساواة والعدالة، ومجتمع يقدم المصلحة العامة على المصالح الخاصة، ونظام ديموقراطي يحمي الحريات ويصونها، في مواجهة المجتمعات المتعددة الانتماءات والولاءات ذات الطابع الطائفي أو العشائري أو القطاعي الفئوي. ولكن ما هو المجتمع المدني، وما هي شروط الانخراط في مجالاته، وما هي الأطر التي يجب اعتمادها من أجل تفعيله وتطويره وتعميمه وتحقيق أهدافه؟.
المجتمع المدني هو كل إنسان اختار الانتماء إلى وطن هو لجميع أبنائه، ومجتمع يقوم على العدالة والمساواة بين أعضائه. وبالتالي أنتَ لست بحاجة أيها المواطن إلى تأسيس جمعية أو الانضواء في حزب حتى تعمل وتسعى من أجل المصلحة العامة على حساب المصالح الخاصة، إذ يكفي أن يلتقي مجموعة من الأشخاص الراغبين في تطبيق مشروع تنموي يطال شريحة ما، فيرفع من مستوى عيشها أو معيشتها، حتى نرى مجتمعاً مدنياً ينمو ويتطور في الاتجاه السليم. هكذا نرى المواطن الميسور مادياً الغيور على أهله وبيئته ووطنه يجتمع بعدد قليل من الشباب المتطوع الواعي الراغب في مد مجتمعه بما يملك من علم ومعرفة وثقافة وخبرة وإرادة وتصميم على تغيير أوضاع أقل ما يقال فيها إنها متخلفة مهترئة عفنة، ليجدوا أنفسهم، على سبيل المثال لا الحصر، أمام عدد من الأولاد والأطفال الباحثين عمن يرعاهم ويهتم بتنشئتهم وتثقيفهم على احترام الآخر وحثهم على التعبير عن ذواتهم في جوّ من الألفة والتآخي من ضمن برنامج فني ثقافي بيئي ورياضي متكامل. ثلاثة يصنعون فرحاً: المتموّل المحب الغيور على أهله وبلدته ووطنه، والمتطوّع الراغب في المشاركة في إنماء مجتمعه المحلي، والأطفال الذين ينتظرون من يرعاهم بإخلاص خلال عطلة مدرسية طويلة يلفّها الضجر. إنّ كل أنواع الفنون من رسم ونحت وعزف وغناء ورقص هي المدخل السليم إلى اكتشاف الذات الإنسانية وأفضل سبيل إلى معرفة الآخر وتقبله في جو هادئ يبعث على التأمل والتبصر فتتفتح العقول وتنبض القلوب بأجمل الكلمات وأحلى الابتسامات وينحسر الضجر. والأمر هنا لا يحتاج إلى الكثير من المال، لا بل إن قليله مفيد مثل الملح في الطعام.
والعجائز كالأطفال، ينتظرون من يرعاهم ويهتم بهم من حين لآخر. كذلك هي حال الفتيان والفتيات الذين يحتاجوا إلى قليل من المساعدة المادية والكثير من الدعم المعنوي من أجل تأليف فريق رياضي ينفض غبار الكسل عن أجسادهم، أو تأسيس فرقة كشفية تصقل أخلاقهم وتلطف علاقاتهم الإنسانية وتنقلهم إلى أحضان الطبيعة فتبعدهم ولو لفترة وجيزة عن أجواء الشحن الاجتماعي السياسي الذي فاق حده وطال كل الطبقات والمدن والبلدات والقرى في وطن الأرز.