بيار الخوريلم تكن الحياة في عالمنا الثالث يوماً شريفة، لأنّها مسحوقة داخل نظام «النيو كولونياليّة» الهدّامة. العيش ضمن إطار مدرسة ومقهى وبيت كولونيالي لأمر قاتل ومريب لحضارتنا. فقد مرّ عالمنا بحسب فرانز فانون بنوعين من الكولونياليّة:
الأول استيطاني حيث تبرز عملية النقل أو الـ transfer الجزئي والمادي للدولة الكولونياليّة بأمتعتها المادية والبشرية إلى البلد الذي تطمع، ليس فقط باقتصاده، بل أيضاً بأرضه. الثاني احتوائي حيث يقتصر الـ transfer على الإدارة والجيش والأمن. أمّا اليوم فالـ«النيو كولونياليّة» تختصر بعملية إبادة الثقافة والتراث، إذ يستخدم الأسود المعولمون السلاح والاقتصاد لضبط الإيقاع وتسيير أنظمة العالم الثالث، حيث نجد الاستعمار المموّه المتحايل على العقول وقد بدأت معركته مع الإبادة البشرية للسكان الأصليين، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث قضت العولمة أو «النيو كولونيالية» على ما بقي من السيادة الثقافية واللغوية، ووسّعت الهوة ما بين الشمال والجنوب بالرغم من المسافة البحرية بين الاثنين. هم أسياد هذا العالم، يتحكّمون بمصائر الشعوب وأفكارها، شعوب أنهكت بفضل الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، شعوب تتبارز على فكرة التنكيل: فمن يعذّب ويسجن ويقتل أكثر يحصل على رضى الأسياد ويحافظ على بيروقراطيته. لا كولونيالية إلا بوجود ثلاثة عوامل:
1ـــ عامل الدمى. 2ـــ عامل المساعدات. 3ـــ عامل المديونيّة المطلوب كثير وبحاجة إلى إرادة وتصميم: أولاً: دراسة تاريخ ثوراتهم ونهضتهم وولوجهم النفس الديموقراطية، لا لتقمصه بل لتعميم مفهوم هذه التجربة، تمهيداً لإسقاط أو لإضفاء ثقافتهم عليها.
ثانياً: التوقف عن جلد الذات، فنحن لسنا شعوباً مغلوباً على أمرها بل حيّة، لذلك يجب أن تسعى للإطباق على النفس المستسلمة المستزلمة والتغلب على ضعفنا الوطني.
ثالثاً: التضامن الوطني؛ فالحاجة إلى الشراكة والتجانس أساسية، ليس في زمن الحرب والتحرر وحسب، بل في أيام السلم أيضاً. فالجزائر تحررت من الاستعمار بمليون ونصف مليون شهيد، ومن ثم تقاتلت وتكبّدت خسائر بمئات الآلاف نتيجة التراخي الوطني. وأخيراً، لا بد من الانفتاح الواعي نحو الآخر من خلال التبادل الثقافي والإنساني، بعيداً عن الذوبان الكلي داخل الإدارة الكولونيالية الكبرى.