حرب القوقاز لم تكن سوى الانفجار لصراع طويل بين عمالقة منطقة هي بكل المقاييس، من الأهم استراتيجياً في العالم، وهي ستكون على الأرجح صاحبة المستقبل العريض. ويبدو أنّ عصر سيطرة حلفاء واشنطن ما بعد الانهيار السوفياتي انتهى، وقوى المنطقة (روسيا والهند والصين وإيران) تستعدّ لإعادة رسم خريطة المنطقة، تحت عنوان منظّمة شنغهاي
كمال خلف الطويل*
مخاض أليم ذاك الذي تعيشه المؤسسة الأميركية الحاكمة، وفي القلب منها حزب الحرب: الممثل الشرعي للمجمع العسكري الصناعي وامتداداته المالية والطاقوية.
أدقّ ما يتسم به أنّه تعبير عن صراع بين خياري حرب، يرتسم بين من رأى أن أوراسيا هي جائزة القرن، وأن الاستحواذ عليها بالقتل والقتال والغواية والضغط والاحتواء والحصار وبث الفرقة ـــ كلها معاً ـــ هو عين المراد، يقابلهم من أيقن أن الطريق إلى أوراسيا لا بد أن يبدأ من غرب آسيا، أي الشرق العربي المسلم، وبذا تعظم الجائزة وتضحي كاملة الأوصاف.
شاءت المقادير أن يكون الجناح الثاني هو من في سدة المؤسسة عند نازلة 11 أيلول، التي عرّت فشله الفضائحي العارم في توقّيها، أو حتى في مقابلتها ذلك اليوم القيامي.
أطلق «النظام» قوته العسكرية لتنقضّ على العراق تحت ظن أن إرهاب عالم العرب / الإسلام وترهيبه لا بد أن تثمره تلك الموقعة، وأن أفغانستان هي تمهيد النيران الضروري، لا سيما وهي قاعدة القاعدة التي أوقعت بالولايات المتحدة تلك النازلة.
في حسابات «النظام»، كان أن الفوز الناجز في العراق كفيل بإطلاق مفاعيل تليين لمفاصل القلعة الروسية والحوض الصيني، بما يقلل من كلفة الارتطام بهما لاحقاً... وهو المحتم بأي معيار.
في تحليل «المعارضة»، كان أن ذلك تحميل لجهد مواجهة روسيا والصين بما ينوء عن حمله، وأن الانصراف عن المسرح الرئيس إلى الثانوي تبديد للوقت والطاقة بما يصرفهما عن المجدي... بل سوق للمواجهة نحو مصارف قد تعقّد مسارها وتحرفها عن دربها... ثم إن العراق محاصر لدرجة الخنق، والخليج تحت البسطار، والبحر الأحمر في القبضة، وبحر العرب لا يربطه بالعرب رابط.
لم تحتج «المعارضة» سنوات سبعاً لتربح الرهان على خيبة سياسة «النظام»، إذ بدت علائم تلك الخيبة منذ الهزيع الأخير من عام 2003 مع الأداء المذهل للمقاومة العراقية (السنّية الطابع حينها)، ثم وصلت مع نهاية 2005 إلى ذروة غير محتملة فرّخت تقرير بيكر ـــ هاملتون بعدها بعام، وما صاحبها من إقالة رامسفيلد وتغيير قيادات الميدان.
بذلك التقرير حاولت «المعارضة» (وتعابير النظام والمعارضة هنا هي توصيف لجناحي حزب الحرب الحاكم، التي تتراكب فوق الحاجز الجمهوري ـــ الديمووقراطي) ثني «النظام» عن المضي في مغامرته غرب الآسيوية، وإعادة تصويب الوجهة إلى ميدان الصراع الكبير: أوراسيا، التي بها يطوّب القرن أميركياً، وبدونها تسقط الولايات المتحدة من عل.
هي الموارد اللامتناهية والجغرافيا اللامتناهية والبحار والأنهار والسوق اللامتناهي... وقوة العمل الرخيصة اللامتناهية... كل شيء، كل شيء.
فشلت المحاولة، ومضى الجناح الحاكم في غيّه، موصلاً البلاد والعباد إلى حافة أزمة بنيوية مستعصية على الحل.
هي أزمة طال تأجيل ساعتها وقد دقت الآن بلا هوادة... فيها تغرق الولايات المتحدة في لجّة انحسار اقتصادي يتسارع وصوله لعتبة الكساد، وتتفاقم معه الفوارق الطبقية لأمداء خطيرة غير مسبوقة، وتتراقص أمام المواطن العادي أشباح تبدد حلمه في الرفاهية والرخاء.
لقد أفلتت الرأسمالية الأميركية من عقالها إثر زلزال انهيار الاتحاد السوفياتي، لتعاود سيرة التوحش التي سبقت كساد الثلاثينيات، التي اضطرت بسببه وبداعي التحدي الشيوعي لإبدالها بأنسنة أمدّتها بنسغ الحياة لعقود ستة بعدهما.
عينها الآن لا تحيد عن أوراسيا، ففيها إكسير إطالة الحياة، بل إدامتها إلى الأزل.
خلاف الأولويات والسبل والنهج هو الذي يفسّر صعود أوباما ليكون رمز المعارضة الآملة بالعودة للسلطة حتى تضع الأمور في نصابها، وتصوّب البوصلة شرقاً حيث المنازلة الكبرى... وأفغانستان واحدة من أهم ساحاتها وأبلغها رمزية.
من تقاتل الولايات المتحدة هناك؟
قوى أربع تتفاوت في الحجم والقيمة والتأثير... تتشارك في كونها مستهدفة من المؤسسة الأميركية الحاكمة لدواع متفاوتة، ولما بينها من مشتركات جامعة وازنة... وتتنافر بين بعضها والآخر لجملة مواريث تاريخية وعقائدية، معطوفة على تباعد أو تنافر مصالح.

من سيحكم القبضة على صانع الحضارات؟




هي أولاً: السنّية الجهادية. تلك قوة قد تبدو للناظر على قدر من الهزال لا يستوجب كل ذلك الحسبان والاحتساب من لدن واشنطن.
على النقيض تماماً، هي مشروع كوني مقاتل يجنّد آلافاً مؤلفة من الشباب المسلم الساخط على أحوال عالميه العربي والمسلم، محيلاً أسباب سوءاتها على واشنطن، وممتشقاً السلاح اختصاماً لها على الأرض وفي السماء والماء، وبكل وسيلة تصل إليها يداه.
لو كانت تلك الجهادية هزلاً في موضع الجد، لما وجدنا نخبة القوات الخاصة ومشاة البحرية وفرق عمليات الاستخبارات المركزية الأميركية تقاتل بقضها وقضيضها بعديد 40 ألف جندي (سيصلون قريباً إلى أكثر من الضعف) في منازلة لا تقل شأواً عن أي حرب عصابات خاضتها قوة غير نظامية أمام قوة نظامية كبرى عبر تاريخ الحروب الحديثة... أعني حرب أفغانستان.
مراد واشنطن هو هزيمة تلك الجهادية في موقع مركزي حاضن، أي أرض الباشتون الأفغانية ـــ الباكستانية، وإطفاء جذوة جاذبيتها لشباب العرب والمسلمين مرة وإلى الأبد.
هي ثانياً: الشيعية الجهادية، أعني إيران وامتداداتها الإقليمية والكونية، بل تحالفاتها الإقليمية العابرة للفاصل المذهبي (سوريا وحماس).
الإشكالية الكبرى في حسبان المؤسسة هي تمدد إيران عبر «سوراقيا» إلى شرق المتوسط، وإمساكها بمفاصل الصراع العربي ـــ الصهيوني... تلك مسألة لا تحتملها المؤسسة بحال من الأحوال.
الإشكالية التالية في الأهمية هي برزخية إيران بين قزوين والخليج، وتموضعها في تضاعيف وسط وجنوب وغرب آسيا... وتحت سلطة من؟ سلطة نظام مستقل الإرادة يملك مشروعاً من أقانيم أربعة: شيعي وإقليمي وإسلامي وعالمثالثي...
لهذين السببين لا مجال للتعايش، ولا مكان إلا «لاستعادة» إيران لكنف السيد، منصة حاسمة صوب البطن الروسي، وإطلالة على السور الصيني، فضلاً عن دور جديد ـــ قديم في المحيط المباشر لا مانع من أن يعبق بنفحة نووية ما دام هو وكيل اعتماد في الخدمة.
هي ثالثاً: الصين، ولا حاجة للاستفاضة في تبيان القدرة الصينية في المدى المتوسط على أن تكون قوة تنافسية بامتياز في الاقتصاد والسلاح والتأثير «الناعم».
الاستتباع إذاً هو الحل. ولعل النموذج الياباني هو أقصى المتاح أمام نخب الصين في عرف المؤسسة الأميركية... وحتى هذا المتاح فهو لنخب موالية ومتدثرة بغطاء السيد لا للحزب الشيوعي بالتأكيد.
وهي رابعاً: روسيا، وهي القوة الأخطر والأقدر في عرف المؤسسة... نقطة آخر السطر. يحار المرء أحياناً في تفسير تلك الكراهية الممزوجة بالحساسية، والمختلطة بالعداء، التي تتداخل في تلافيف العقل الجمعي الناظم للمؤسسة.
لكن تشريحاً وئيداً للظاهرة يوفر تفسيراً لا ناقض له، فحواه أن تلك الروسيا سبق أن تحدّت الغرب لعقود سبعة، وموروث ذلك الصراع مسكون في العقول والقلوب معاً، وأنها التي تملك ترسانة نووية مكافئة، وأنها موطن الموارد بلا حدود، والأغنى والأقوى في مقبل الزمان القريب، ووفق معايير حساب القوة البحتة، وأنها صاحبة تاريخ تليد وثقافة زاخرة، والتي تتمدد فوق قارتين، ما لها يكفل نفوذاً حاسماً في كليهما وفي كل مناحي الجيوستراتيجيا.
مطلوب رأس تلك القوة، التي لم تستطع محاولة الإملاق والانتهاب طيلة التسعينيات من القرن الماضي أن توصلها لخفض جناح الذل من المسكنة، بل غذّتها بنوازع الانتقام والثأر، وغسلت من أذهان مواطنيها أي غرام تطارحوه مع المثل الغربي في العقود الثلاثة الأخيرة من عمر الدولة السوفياتية.
الحل الأساسي لدى المؤسسة في مواجهة روسيا هو امتلاك السيادة النووية، وبالتالي استعباد القرار الروسي... هذا يعني حرمان روسيا من القدرة على توجية ضربة نووية مضادة ومميتة.
الآن، ما هي علاقات تلك القوى الأربع المهدّدة بانقضاض النسر الأميركي؟
السنّية الجهادية هي القاسم المشترك الأعظم لعداء كل القوى الثلاث الأخرى... روسيا والصين وإيران، خشية أي منها لا تعدلها إلا خشيتها من التهديد الأميركي.
والثابت أن مسؤولية تلك الخشية العارمة تقع على تلك الجهادية بامتياز... هي التي عبثت بالداخل الروسي في تقاطع لافت مع الصهيونية الروسية (تمويل بوريس بريزيكوفسكي لتمرد تشيشنيا)... وهي التي تلعب في مسرح غرب الصين التركستاني المسلم تحت الحزام وبما يتقاطع، هنا أيضاً، مع محاولات العمل الخفي الأميركي لتحريك الأقليات العرقية والدينية في الصين ضد العرقية الكبرى: الهان الكونفوش. وهي التي تناصب إيران، بل كل شيعة المسلمين، أشد أنواع العداء الذي يعصى على المنطق والعقل، بالمعنى الحرفي الديني للوصف.
والراجح أنه إن أقدمت السنّية الجهادية على وقف الاشتباك مع القوى الثلاث النافرة والمستنفرة منها، تكون قد صعّبت على خصمها الألّد، الولايات المتحدة، أي سبيل لبناء قواسم مشتركة دنيا معهم، أو بعضهم، أو أحدهم ضدها، طلباً لرأسها ونيلاً منها.
في مسألة إيران، هناك في علاقتها بروسيا نقطتان: الأولى أن الهم الروسي الأكبر هو ضمان أن لا تقع إيران تحت سنابك الأميركيين بحال من الأحوال، ففي ذلك تطويق شبه كامل لحوضها القريب، وإعادة تأسيس لمنظومة قواعد عسكرية وتجسسية فيها تكفل اختراقاً معلوماتياً وأمنياً يصعب درؤه... هذا ما يقرّب موسكو من الجمهورية الإسلامية في طهران.
هناك على المقلب الآخر اعتراض موسكو على امتلاك تلك الجمهورية السلاح النووي، لما في ذلك من فائض قوة لدى طرف إقليمي سبق له أن كان طرفاً في حروب دامية قبل قرن ونيف أدت إلى انتزاع آسيا الوسطى والقوقاز من الإمبراطورية الفارسية إلى عدوتها القيصرية.
ثم إن موسكو سبق أن رعت انفصال أذربيجان وكردستان الإيرانيتين عام 1946 قبل أن تُهزم المحاولة على يد محمد بهلوي مسنوداً من الولايات المتحدة، القوة الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية... بالمقابل، فإنّ موسكو لا تمانع في قدرة نووية إيرانية تتثبت من سلميتها عبر شراكة في القدرة مباشرة.
ما يمكنه أن يفرّق أيضاً، هو تنافس محتمل على خطوط أنابيب طاقة حوض قزوين المتجهة إلى الغرب، والخلاف على تحاصص تشاطؤ قزوين، وتزايد التأثير الإيراني على شيعة القوقاز وآسيا الوسطى، وعلى فرسهم (طاجكستان فارسية سنية).
أما بخصوص علاقة الصين بإيران، فهناك أفضلية توقّي امتلاك الأخيرة السلاح النووي وفق ضمانات مطمئنة، ربما عبر القناة الروسية.
وما سوى ذلك فمشتركات عامرة، من الطاقة، إلى التجارة، إلى السلاح، إلى الاستثمار إلخ.
أين هي العلاقة بين الصين وروسيا الآن وفي المستقبل؟
هناك ما يفرّق بالقطع، ولعل الأهم هو أن روسيا مصدر للطاقة، فيما الصين مستورد لها، وما يحمله ذلك من افتراق مصالح وتوتر علائق يولده عدم التناظر.
هناك ثانياً، الهجرة السكانية الصينية للشرق الروسي وما تحمله من مخاطر توسع واستحواذ.
هناك ثالثاً استياء صيني مكتوم من لعب روسيا بورقة استقلال أبخازيا وأوسيتيا، وهو المحظور الأكبر عند من يؤرقه هاجس التيبت وسينكيانغ وتايوان.
لكن ما يجمع أكبر بما لا يقاس... أقلّه بسبب الخطر المشترك.
من هنا قيام تجمع شانغهاي ليضم القوتين معاً وبجانبهما معظم أقطار آسيا الوسطى.
نخلص من ذلك إلى القول إنّ المشتركات بين روسيا والصين وإيران ترجح بالمطلق على التناقضات، وتكفل تحديد آثارها واحتواءها لأبعد الحدود.
ما هي تظاهرات تلك الشراكة في المستقبل القريب إلى المتوسط؟
1ـــ ضم إيران لتجمع شانغهاي . 2ـــ تسليح إيران (ومعها سوريا) بوسائط دفاع جوي تتكفل بتحييد أي هجوم جوي معادٍ. 3ـــ إنشاء قاعدة بحرية روسية كبرى في طرطوس السورية . 4ـــ إرساء منظمة أوبك للغاز . 5ـــ إخراج أبخازيا نهائياً من نطاق جورجيا ليتسع الساحل الروسي على البحر الأسود ويضيق محاذيه الجورجي . 6ـــ انضمام روسيا البيضاء للاتحاد الروسي كونفدرالياً. 7ـــ السيطرة على شبه جزيرة القرم بالكامل، وإيصال أوكرانيا للانقسام بين نصف شرقي أرثوذكسي يتحدث الروسية (خليط أوكراني وروسي) وغرب كاثوليكي ينضوي تحت الأطلسي.
(يلحظ المرء هنا كيف أن الدين و/أو المذهب، والقومية و/أو العرقية، هما من أهم محركات التاريخ... السلاف الأرثوذكسي في روسيا وبيلوروسيا وصربيا وشرق أوكرانيا مقابل السلاف الكاثوليك في بولونيا وكرواتيا وغرب أوكرانيا وسلوفينيا (بلغاريا وسلوفاكيا هما الاستثناءان المتقابلان اللذان يثبتان القاعدة). ثم الجورجيون الأرثوذكس (وهم هندوآريين) على مقلب، والسلاف الروس الأرثوذكس على المقلب الآخر).
8ـــ قلب الأوضاع في جمهورية أذربيجان وإزالة نظام إلهام علييف التابع لواشنطن، وإحلال نظام صديق للشراكة محله . 9ـــ إخراج جمهوريات آسيا الوسطى مع أذربيجان «الجديدة» القواعد الأميركية من أراضيها، مع وقف كل التسهيلات الحالية الممنوحة لها. 10ـــ تشجيع قيام أنظمة صديقة في لتوانيا بالذات، ومعها لاتفيا وإستونيا، عبر استعمال الجاليات الروسية فيها كوسائل ضغط. 11ـــ إيصال بولونيا وتشيكيا وبلغاريا مجتمعياً لحافة الانقسام الداخلي بشأن قضية واحدة وهي عضوية الأطلسي ونصب صواريخ ABM الأميركية فيها، عبر مزيج من التهديد والغواية. 12ـــ تحييد تركيا عبر مد أنابيب طاقة إيرانية إليها لتعويضها عن خط باكو ـــ تبليسي ـــ جيهان الذي يقترب من أجله المقدّر. 13ـــ الضغط على النخبة الهندية لحسم أمرها في تحديد وجهة تحالفاتها... هي ما فتئت تتأرحج بين مشروع تحالف مع واشنطن يجعل منها ركيزة الأخيرة الإقليمية في جنوب آسيا، ومتأثرة بهواها الأنجلوفيلي الذي يلج عتبة التماهي، وبين شعورها بنديّة أكبر مع جارتها الصين وصديق الماضي الروسي، رغم خشيتها الكامنة من الأول بفعل مواريث الاجتياح الصيني للشمال الهندي عام 1962 طلباً لتوسع حدودي فيه.
لجهة الطاقة، فمستقبلها مع روسيا وإيران. الطاقة والندية ترجّح خيار شنغهاي، لا سيما أن الجميع يتشاركون في العداء للسنّية الجهادية مثلما واشنطن وأكثر، وسيتوقف الأمر فيها على انتخابات 2009 البرلمانية لحسم الخيار.
يلزم هنا التنويه بمطامح هندية في ضم الإمارات إليها لتكون بئرها الطاقوي ومصدر استقلالها الاقتصادي. ويصح القول إنّه لا واشنطن ولا تجمع شنغهاي سيسمح لنيودلهي بتحويل الحلم إلى واقع، وبالأخص إيران. 14ـــ تسخين المسرح العراقي لإعادة وتائر الاستنزاف الأميركي إلى ذروة أيار / مايو 2007، وبمواقيت من التصعيد والتسكين تخل بتوازن المحتل . 15ـــ رفض تمرير أية عقوبات جديدة على إيران، سواء في مجلس الأمن أو في وكالة الطاقة الذرية، مع تجاهل حتى ما سبق إقراره من عقوبات على مرحلتين.
انتقال واشنطن بزخم قوتها العسكرية إلى المسرح الأفغاني إن هو إلا فعل حماقة لا تقّل وطأة عن أختها العراقية... ليس بإمكان عشرات آلاف الجنود أن يئدوا قوة محاربة غير نظامية لها حاضنتها الشعبية، وتنهال عليها أموال مؤيديها من أثرياء الخليج والبشتون والبلوش والبنجاب، وفوقها أرباح بيع المخدرات للأسواق الغربية، بما يؤمن لها سلاحاً وافراً وكافياً، وتنال دعم شريحة واسعة ونافذة من المؤسسة العسكرية ـــ الأمنية الباكستانية، وهي التي تحارب بأدهى السبل وأمكرها، منذ عشية نازلة أيلول ولتاريخه، حتى وإن أدى ذلك لاشتباكها غير المعلن، بالنار والدم، مع الجسم المناقض من المؤسسة ذاتها وعلى تراب الوطن ذاته.
ستبدي «الشراكة» كل أنواع التأييد للانخراط الأميركي في أفغانستان لإغرائه وتشجيعه على المزيد منه، حتى وإن وصل التأييد لأشكال عمليانية تقوم بها كل من روسيا وإيران، هم يعرفون أنه إن تكفّل العراق بالترنح فأفغانستان كفيلة بالإطاحة، وهي من كان حجر الرحى في زلزال الانهيار السوفياتي.
خلاصة القول، إن جناح البدء بغرب آسيا ـــ العراق، وجناح الانتقال إلى وسطها وجنوبها ـــ أفغانستان، ارتكبا ويرتكبان وسيرتكبان خطيئة العمر في حربهم على أطراف أربعة، يجمع بين ثلاثة منها شبه حلف متين البنيان.
أفيَد للمؤسسة ألف مرة أن تتصالح مع نفسها ومع الآخر، ففي ذلك ضمان لحصة من القرن وافرة، فيما البديل شاخص للأعين، مشيح بصره عن واشنطن أميالاً ضوئية، مردداً ترانيم الشرق، وصادحاً بلسان مبين: أنا قرن أوراسيا بامتياز... ذاك السديم العظيم، صانع الحضارات والتاريخ، وصاحب المستقبل العريض...
مشرق النور والعجائب.
* كاتب عربي