زياد عبد اللهنمّلت قدما أحمد فوضع سماً لقتل النمل، كما أن فردتي حذائه تعبتا من كثرة ما تسابقتا عندما يسير، أما غيداء فليس أمامها إلاّ أن تضع عصافير بطنها في القفص عندما تزقزق.
يمكن مواصلة ما تقدم إلى ما لا نهاية، عبر تقليب صفحات كتاب بعنوان «غيمة الشعر الوردية»، مع عنوان فرعي له أن يوضح محتواه «كتابات بأقلام الأطفال»، وهو بمثابة توثيق لـ«ورشة الشعراء الصغار» التي أقيمت في «مكتبة الأطفال العمومية» في مدينة اللاذقية السورية.
الكتاب الذي صدر أخيراً عن «المكتبة» نفسها، جاء نتاجاً لافتاً لما قدمته هذه الورشة من مساحة حرية للأطفال المشاركين فيها، مع مقاربة لعالم الشعر بتجلياته وأنماطه المختلفة.
الرسام السوري عصام حسن، صاحب فكرة الورشة والمشرف عليها ومنفذ الكتاب، اتّبع فيها مقاربات متنوعة لحساسيات وأساليب شعرية متعددة، عبر الاستعانة بقصائد لأبي فراس الحمداني والمتنبي وأدونيس ورياض الصالح حسين وسليمان العيسى وغيرهم، وصولاً إلى زياد الرحباني وكتابه الشعري الوحيد «صديقي الله».
أتاح حسن للشعراء الصغار الاطلاع على أنماط القصيدة الكلاسيكية، وقصيدة التفعيلة والنثر، ولتكون النتيجة كما تشير القصائد انحيازاً تاماً للقصيدة الومضة، الخالية من أي وزن أو تفعيلة، وانسياقاً عفوياً نحو التجسيد واللعب على الكلمة بذكاء له أن يجد من المخيلة الطفولية مسانداً مدهشاً لأحمد ناصر (9 سنوات) لأن يقول «ذات يوم طبخت أمي معكرونة فوصلتها مع بعضها وذهبت لتسلق الجبال».
الفصول التي قسم إليها الكتاب تضيء الآلية التي اتبعها حسن في تحريض الشعراء الصغار الـ35، فهو، كما يقول، كان يعتمد على مفردات مثل «كتابي، لعبتي، أمي، الصداقة، الموت، الله، الألم، الطعام، النقود، التلفاز...» ومن ثم يدع للأطفال أن يقاربوا معاني المفردة، والأخذ بها إلى عوالمهم الخاصة، فربى مالطة (11 سنوات) تقارب «الله» كالتالي «ذهبت إلى غرفة مغطاة بأشياء كثيرة، فرأيت النافذة، فغطيتها بالأشياء الكبيرة، كي لا يجدني الله، ولكن الله يجدنا أينما كنا»، بينما تقول عبير طه (11 سنة) في فصل «النقود»: «فقدت دفتري فكتبت على نقودي الورقية وظيفتي»، وفي الفصل المعنون «لعبتي» تكتب سها كمال الدين (12 سنة) «هناك قطة وكلب صديقان، الكلب أخرس. فأخذت القطة تنبح عنه».
يكتب حسام بو عيسى (11 سنة) في فصل «كتابي»: «كتابي كالبحر، قرأته، فغرقت بين سطوره» وفي محاكاة له يمكن توصيف الكتاب باعتباره دعوة للغرق في الطفولة والشعر «الجميل والمدهش»، توصيف بودلير للشعر الحقيقي، ولعل مقاطع كثيرة من هذا الكتاب تذكرنا بقصائد شوقي أبي شقرا وإن لم يكن من بين ما اطلع عليه الشعراء الصغار.


شغل عيال

كل ما حمله الكتاب كان من صنع الشعراء الصغار، فالعنوان من اختيار بسام يعقوب، ولوحة الغلاف لآية يوسف، أما الرسوم الداخلية فقد تناوب عليها عدد منهم، وكتبوا ست مقدمات عن الطفولة والحرية والاحتفاء بالشعر والرسم


مختبر الطاقات

من يتابع صفحات هذا الكتاب، يشعر بأنه نتاج مشروع ساعدهم على تفجير طاقاتهم والبوح بما يختزنه خيالهم، أو بتعبير آخر إن الورشة كانت محفزاً مهماً لهم ليبرزوا مواهبهم ويلفتوا النظر إلى وجهات نظرهم