عباس المعلممنذ بدأت شرارة أحداث 7 أيار الماضي، أدخل فريق الأكثرية وحلفاؤه العرب وكل الوسائل الإعلامية التابعة له مصطلح «احتلال بيروت أو غزوها أو استباحتها»، كنوع من تسويق تهمة باطلة لا تمت للحقيقة بصلة بأن جيشاً غريباً ليس لبنانياً غزا بيروت، أو بالحد الأدنى نفذ انقلاباً على الدولة والنظام كما كان عنوان تغطية فضائية عربية تابعة لفريق السلطة.
ومن حسن حظ المعارضة أنّ كل وسائل إعلام العالم كانت تغطي تلك الأحداث في بيروت وكل المناطق اللبنانية، ولم نسمع أو نشاهد أي مظاهر لمسلحين من «تايوان أو الصين أو إيران أو أفغانستان»، اللهم إذا كان بنية فريق السلطة نزع الهوية اللبنانية عن أكثر من ثلثي الشعب اللبناني والتعامل معهم على أساس أنهم مرتزقة قدموا من دول غربية وبعيدة عن لبنان.
هذا في المبدأ الشكلي لتوصيف فريق الأكثرية «الغريب» فعلاً. أما في التفصيل الميداني لهذه المصطلحات، فنجد أنّ كلمة انقلاب، تصبّ في خانة استخفاف العقول وتضليل الرأي العام، لأن ما حصل من المعارضة هو تثبيت للدولة والنظام العام لا العكس، ورفض محق بوجه فريق كان مغتصباً للسلطة وفاقداً للشرعية.
ولو كان هناك نية انقلاب، لما كانت المعارضة سلّمت مراكز ميليشيات السلطة للقوى الشرعية، أي الجيش اللبناني الذي كان الحاضر الأكبر في كل ساحات الاشتباك. كما لم نشهد أي هجوم من مناصري المعارضة على مؤسسات الدولة والوزارات والإدارات العامة، ولا حتى على السرايا الحكومية، ولم يكن مطلب المعارضة منذ بدء تحركها هو تحقيق مكاسب سياسية، بل تراجع حكومة السرايا عن قراراتها والذهاب إلى الحوار، فهل يعقل أن من لديه نية انقلاب وسيطرة يرفع شعار الحوار في تحركه الشعبي وعصيانه المدني الذي يكفله الدستور؟
أما ما يتعلق بمذهبة الأحداث على أنها صراع «سني ــــ شيعي»، فلا يبدو هذا الشعار الذي أكد عليه فريق السلطة بكل تلاوينه، أنه واقعي، والدليل على ذلك أن نصف القوى المناصرة للمعارضة وللمقاومة تنتمي إلى السنّة والدروز، من بيروت إلى الجنوب والجبل، وصولاً إلى الشمال، هذا فضلاً عن مشاركة أحزاب علمانية بهذه الأحداث مثل الحزب القومي السوري الاجتماعي، تضم في صفوفها مختلف الطوائف، وأكثرية شهدائها من الطائفة السنية الكريمة. لكن إذا عدنا لمقاربة الأمور من منطلق بيروت أنّها كانت الساحة الرئيسية في الصراع الأخير، والتي يطالب بعض الغرباء عنها فعلاً بالاعتذار لها، نتوقف أمام جملة أمور هامة متصلة بالواقع الحقيقي لطبيعة الصراع الفعلي، وهو بين مشروعين سياسيين لا أكثر ولا أقل.