جورج العاقوري *أطلّت جريدة «الأخبار» في عددها الصادر يوم الثلثاء 2/9/2008 في زاوية «علم وخبر» بعنوان «القدّيس» سمير جعجع لتعلن الآتي: «تولّت مجموعات تابعة لـ«القوات اللبنانية» تسويق صور لعدد من القدّيسين لدى الموارنة، مضافاً إليها صورة قائد «القوات» الدكتور سمير جعجع. وتباع هذه اللوحات في بلدات عدة مثل: سيدة بشوات ودير الأحمر حيث «تنتشر الأصولية المسيحية».
وقد أثار الأمر ردود فعل عند مجموعات من رجال دين احتجّوا لدى البطريركية المارونية». لن نخوض في التهم السياسية التي بورصتها ناشطة في الأساس في لبنان وأسهمها إلى ارتفاع مع اقتراب «الموسم الانتخابي». فهذه التهم تُغرق مروّجيها في وحول الشائعات والتكهنات أو حتى التمنيات، أو تعتمد على التجزئة أو تسليط الضوء على بعض النقاط من دون وضعها في سياقها التاريخي والجغرافي والسوسيولوجي.
لكنّ الحديث عن انتشار «أصولية مسيحية» في دير الأحمر، ينمّ إما عن سوء فهم لمصطلح الأصولية، وفق استخداماته الآنية كمرادف لاستجداء العنف في سبيل تحقيق مشاريع دينية، أو الدفاع عن معتقدات، وإما عن سوء نية.
فشتّان بين الأصوليّة والأصالة التي تتجذّر بها دير الأحمر ومنطقتها، والمتجسدة في الشهامة وحسن الضيافة والنخوة واحترام القيم السامية في مجتمعنا والمتوارثة عن الجدود.
دير الأحمر لا تنكر ولم تنكر يوماً عيشها المسيحية كرسالة رجاء ومحبة، والتزامها بشكل كبير في صفوف المقاومة اللبنانية المتجسدة عبر حزب «القوات اللبنانية»، إيماناً منها بالتعددية وبحق المسيحي كما المسلم اللبناني بعيش قناعاته الدينية والسياسية بعيداً عن الذمية أو ذهنية الإلغاء.
وللتذكير فقط، فإن دير الأحمر كما كانت أبوابها مفتوحة للمضطهدين عبر التاريخ وفي زمن العثمانيين والانتداب الفرنسي، ولآل عبد الساتر خلال ثورة 1958 ولآل جعفر في مطلع التسعينيات، كانت أبوابها مفتوحة لإخوتها في المواطنية في بعلبك والمناطق المحيطة الذين هجروا منازلهم خلال حرب تموز 2006.
فهل في مفهوم الأصولية أن تحتضن أبناء طوائف أخرى؟ وهل رأيتم يوماً في دير الأحمر حزب «تحرير» يدعو لقيام «خلافة صليبية»، أو حزباً يدعو لقيام جمهورية مسيحية؟ هل وجدتم معسكرات تدريب على الجهاد؟ وهل كانت دير الأحمر يوماً جزيرة أمنية كما مناطق عدة في لبنان، أم كانت وفية للدولة اللبنانية؟
نعم، دير الأحمر كانت عصية على الغزاة الذين سعوا إلى فتحها في مطلع حرب عام 1975، وبقيت صامدة ولم تسقط.
ولكن دير الأحمر لم تكن يوماً خارج كنف الدولة اللبنانية. وفي عزّ الاضطهاد في زمن الاحتلال السوري، يوم كان أبناؤها يُقادون بالمئات إلى أبلح وعنجر أو أقبية التعذيب في وزارة الدفاع ومقابر السجون السورية، أبت دير الأحمر إلا اعتماد السبل السلمية. فلم تطلق النار يوماً على الجيش اللبناني وتهين بزّته المرقطة أو تحطم ممتلكات الدولة والمرافق العامة احتجاجاً. وهي أعطت أكثر من مئتين وسبعين شهيداً من أبنائها على مذبح الوطن في الجيش اللبناني كما في القوات اللبنانية، حفاظاً على سيادة لبنان واستقلاله وحرية أبنائه.
وآخر ما سددته من فاتورة دم لبلاد الأرز، المقدم المغوار في الجيش اللبناني صبحي العاقوري والنقيب مارون الليطاني والعريف ميلاد سعادة في معارك نهر البارد.
ربما فات كاتب هذا التعليق أن سيدة بشوات محج للمسلمين كما المسيحيين وشفيعة لأبناء المنطقة كافة، أكانوا مسيحيين أم مسلمين. بالتأكيد، هناك خلاف سياسي بين منطقة دير الأحمر والمنطقة المحيطة، ولكن بالتأكيد أيضاً هذا الخلاف لم يمتد إلى العلاقات الإنسانية وروابط الجيرة والصداقة. ومن أراد أن يعرف «أصولية» منطقة دير الأحمر فليزر مدارسها التي تستقبل بكل محبة أبناء اليمونة كما أبناء عيناتا من دون تمييز، ومراكزها الطبية التي تعالج أبناء نبحا كم أبناء برقا بكل مودّة.
* ناشط سياسي