حسن عماشا *وجسّد انتصار عام 2000 ، النموذج والمثال أمام الجماهير العربية، ما مثّل حافزاً معنوياً للشعب الفلسطيني في إعادة إطلاق انتفاضته. حتى جاءت عملية أسر الجنود الصهاينة عام 2004، ونجاح الحزب عبر مفاوضات غير مباشرة في إجراء عملية تبادل خضع فيها العدو الصهيوني لشروط المقاومة، في الوقت الذي عجزت فيه دول عربية أقامت معاهدات مع الكيان الصهيوني عن تحرير أسرى لها، وكذلك منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
صحيح أن حرب تموز / آب في نتائجها، فاجأت العدو والصديق على حدّ سواء بمدى الاستعداد العسكري والجهوزية لمواجهة أطول حرب في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، إلا أنها كشفت أيضاً أنه تمّ إضاعة وقت ثمين بين 2000 و2006، بعدم العمل على بلورة رؤية وبرنامج لاستقطاب عناصر القوة والمناعة في المجتمع اللبناني وتنظيمها في مواجهة التحديات المستجدّة، أو على الأقل تحصينها في وجه الدعاية والتحريض الطائفي ـــ المذهبي، والأوهام والتضليل اللذين شرعت بهما مبكراً القوى المعادية لخيار المقاومة.
وباكراً أيضاً ظهرت الإشارات التي تستهدف الوجود السوري. من قانون «محاسبة سوريا وتحرير لبنان» في الكونغرس، إلى القرار 1559 والإعداد للحرب على العراق. وفي الداخل من «قرنة شهوان» وما سبقها من خطب البطريرك الماروني، إلى لقاء البريستول.
جرى التعامل مع هذه المعطيات وغيرها على قاعدة الحدّ من المخاطر والخسائر، بدل العمل الدؤوب لتوسيع القاعدة السياسية ـــ الاجتماعية لخيار المقاومة. وهذا ما سعى له وعمل لأجله حزب الله متأخراً، وبعدما سقطت كل الأقنعة وكشفت القوى المرتهنة عداءها للمقاومة وتآمرها عليها وعلى جمهورها.
كان مقلقاً ما جاء في خطاب السيد نصر الله الأخير، الذي دعا فيه إلى إعادة إنتاج تفاهم وتعايش بين المقاومة وتيار «المستقبل». كما كان قائماً في عهد الحريري الأب. فهذا التوجه أحبط الكثير من الشرائح والنخب المدركة للعلاقة بين ما تعانيه الفئات الفقيرة والمتوسطة في كل المناطق ومن مختلف الطوائف من أزمات نتيجة الخيارات الاقتصادية ـــ الاجتماعية التي حكمت منطق إعادة البناء بعد الحرب الأهلية، الذي أدى إلى إفقارها وإلزامها بديون باتت تئن تحت وطأتها.
نسارع هنا للقول: إنّ المبررات التي تدفع بالسيد نصر الله إلى هذا التوجه هي حدة الانقسام الوطني ولبوسه الأبعاد الطائفية والمذهبية، ومحاولة منه لسحب الذرائع التي تستخدمها قوى محلية وعربية لتصوير الصراع صراعاً مذهبياً. ما يعني أن حزب الله هو بصدد الحد من الخسائر وإزلة الذرائع، بسبب شعوره بضعف القوى التي تتقاطع معه في الموقف من قضية المقاومة.
إنّ الأزمة من الناحية الموضوعية، باتت تتجاوز الرغبات والتمنيات، وأصبحت الاستحقاقات تداهم الجميع وتفرض نفسها، وبالتالي تملي المواقف بمعزل عن إمكانات أصحابها ورغباتهم، نظراً إلى ضيق الهوامش وسعي الولايات المتحدة أمام المأزق الذي تتخبط فيه قواتها في العراق وأفغانستان بجانب مأزق العدو الصهيوني داخل فلسطين المحتلة. من هنا، فإن مسؤولية حزب الله في دوره لم تعد تقتصر على تأمين النموذج وحمايته. أو حتى لعب دور المساند والمحفز، بل هي مسؤولية تتعدى بيئته الطائفية أو المناطقية. وهو بالتالي معني مباشرةً بتأمين مقوّمات الصمود والعيش لقوى المجتمع اللبناني في كل المناطق ومن كل الطوائف، وعدم تركها رهينة القوى المساومة السائدة من جهة، وضعف القوى المناقضة لها وعجزها في بيئتها من جهة أخرى.
مما لا شك فيه أن هذه معضلة لا يمكن استسهال الحلول لها، كما أنها ليست عصية عن الحل. وهي معضلات واجهت كل حركات التحرر الوطني في طور معين من تطورها، التي وجدت الحلول لها في إطار قوى المجتمع عينه، باعتبار أن كل طور له قواعده ومعاييره وأدواته. وهذا بالضبط هو الطور الذي فيه حزب الله، بين الثورة والدولة. فإذا كانت مسؤولية الثورة يتحمل تبعاتها المباشرة أبناؤها، فإن الدولة يتحمل تبعات خياراتها المجتمع بعامته.
* كاتب لبناني