انسجاماً مع حملة التوعية و«لفت نظر» المواطنين إلى أن وزارة الداخلية ستبدأ من الاثنين المقبل تطبيق قوانين السير، انتشرت في صيدا حواجز طيارة لقوى الأمن الداخلي. ولكن، يبدو أن التشدد، إن أخذت كل المشاكل بعين الاعتبار، لن يكون عادلاً ولو بالنسبة إلى إلزامية «حزام الأمان». حيث إن بعض السيارات القديمة والمسموح بسيرها غير مزوّدة بواحد. ومع ذلك تشهد قطع بيع الأكسسوارات إقبالاً من المواطنين
خالد الغربي
بلطف، يطلب عنصر قوى الأمن الداخلي على حاجز أوتوستراد الحسبة «الطيّار» في صيدا، من السائق الستيني محمد درويش أن يضع «السانتير». ويضيف بسرعة «عمي يعني حزام الأمان» شارحاً جملته السابقة، معتقداً أن الرجل لم يفهم الكلمة الأجنبية. لكن الرجل حتى بعد قول كلمة «حزام» لم يفهم ما الذي يعنيه ذلك: «لا تواخذني يا إبني ما بعرف شو الحزام ولا وين بيحطوه».
عشية تنفيذ قرار وزير الداخلية زياد بارود القاضي بالتشدّد بوضع حزام الأمان، وتحرير محاضر ضبط بحق المخالفين، والمزمع مباشرته في 15 الجاري، انتشرت بعض حواجز قوى الأمن الداخلي في شوارع صيدا كمقدمة «جس نبض ولفت نظر» في وقت واحد، إلى ساعة الصفر المرتقبة. بضع دقائق من المتابعة لعمل الحواجز أتاحت الفرصة للتعرف إلى الكثير، سواء لجهة نصائح وإرشادات قوى الأمن «من أجل سلامتكم» أو لجهة ردات فعل السائقين من نوع «شو هيدا» (عن حزام الأمان) أو «هالمرة وخلص» كما تعد مريم حوراني الشرطي الذي ظنت أنه «عفشها» تقود سيارتها المرسيدس أم عيون من دون حزام أمان. يبرد قلب مريم عندما تعرف أن أوان تحرير المحاضر لم يحن بعد، إذ ما زالت تفصلنا عنه أيام. أما الحاجز؟ فمجرد تنبيه. عابرة أخرى ترمي بتعليقها، تشير إلى أهمية التشدّد في قمع المخالفات «بلكي بتخفّف من قتلى حوادث السير».
لكن المشكلة أن العديد من السيارات، ولا سيما الموضوعة في الخدمة منذ زمن بعيد، وكذلك بعض السيارات العمومية، غير مزوّدة بحزام أمان، أو أن قفلها اللاقط غير موجود. وكثير من السائقين وبسبب عدم تزويد سياراتهم بالحزام، كانوا يهربون من واقعهم هذا إلى ما يمكن اعتباره تحايلاً على الحواجز التي كانت تقام سابقاً لمراقبة وضعهم أحزمة الأمان. تحايل على طريقة «الحاجة أم الاختراع». إذ يضع السائقون المخالفون «مغّيطة عريضة» (حزاماً مطاطيّاً) بلون أسود لكي يغشوا نظر الشرطي. وفي مرات كثيرة ضبط هؤلاء بالجرم المشهود وهم يغشّون باعتماد تلك الوسيلة التي إن «حمتهم من نظر الشرطي فإنها لن تحميهم من أي خلل أو حادث ولو كان بسيطاً» كما يقول السائق العمومي مروان السبع أعين. يردف السائق الصيداوي «يجب التقيد بقوانين السلامة العامة وأرواح الناس مش لعبة». وعلى طريقته يجد «الهتاف اللازم» لدعم خطوة وزير الداخلية زياد بارود ، فتراه يهتف كمن يمشي على رأس مظاهرة «وبدنا إياه قرار بارود بدنا إياه نار وبارود»، مردفاً: «من أجل سلامة الناس». تغريه ضحكات من يسمعه فيستطرد «عائلتي السبع أعين بس عيوني على الخط عشره ومش سبعة. والله يبعد الحوادث».
أما غسان الرواس الذي يملك محلاً لبيع كسر السيارات الألمانية، فقد أشار إلى أنه في الأيام القليلة الماضية باع كميات كبيرة من «بكرات» الأحزمة مع عدتها ومستلزماتها. وأن السائقين يقبلون على ذلك، ما يعكس رغبة في الالتزام بالقرار الجديد، إذ إن هذه «القطع» عادةً لا تشهد إقبالا و«الآن سوقها ماشي»!!.
أمام مركز دائرة الميكانيك (النافعة) في صيدا، يقف عشرات المواطنين ممن سيخضعون لامتحانات سوق، بعدما قاموا بتدريبات على «أرض الواقع» في الساحة المخصصة لذلك. على جدار الساحة خُطّت عبارة «لا تسرع، الموت أسرع»، أمامها راح حسن عز الدين الذي يدير مكتباً لتعليم السوق، يتلو تعليماته على أحد الممتحَنين «أول شغلة حط الحزام»، يقول له. وعز الدين من المتشدّدين المطالبين بعدم التهاون في تنفيذ قوانين السير، لا بل إنه يطالب إلى جانب وضع الأحزمة، بمراقبة الطرقات وتشغيل كاميرات المراقبة الليلية وفحص نسبة الكحول عند السائقين. كما يدعو إلى التشدد بالغرامات وسحب رخص السوق من المخالفين. وعن نصائحه لتلامذته من المتدربين على سوق السيارة يقول حسن عز الدين، إن أول ما يقوله لهم «السرعة طريقك للموت... وخفف سرعتك بيطول عمرك».
وفي المكان نفسه يقف الشاب اليافع عبد المنعم صلاح شلهوب مشيراً إلى أن أهم درس تلقّاه في سَوق السيارة اليوم، كان الالتزام بالقوانين التي تبدأ بوضع حزام الأمان قبل أن ندير محرك السيارة. ويضيف «الجملة على الحائط علقت براسي: لا تسرع، الموت أسرع».
في انتظار الخامس عشر من الحالي ثمة من يشكو ويلفت الانتباه إلى أن هناك أشياء أخرى تُلحق الأذى بالناس، ويجب التشدد في تطبيقها كي لا تكون أرواح الناس، ولا سيما تلامذة المدارس عرضة للطمع والجشع والإهمال كما يقول الزميل محمد الزعتري، الذي يناشد وزير الداخلية زياد بارود التشدد في مراقبة المواصفات الفنية والتقنية لسيارات النقل والفانات الخاصة و«الأوتوكارات» التي تعمل على نقل التلامذة والطلاب. فبعض هذه الباصات لا يتردد في استحداث مقاعد إضافية من أجل زيادة عدد الطلاب من دون مراعاة أمن هؤلاء، أو تعديل المقاعد وفقاً لتقنية تفتقد أدنى الشروط الحمائية. ويشير الزعتري من خلال متابعاته، إلى عشرات الضحايا من قتلى وجرحى سقطوا في حوادث سير غير ناتجة من السرعة، بل من غياب شروط السلامة المصاحبة. ويعطي مثالاً امرأة أصيبت بحادث سير قبل أشهر على الطريق الساحلي، لأنها كانت تجلس على مقعد إضافي في فان غير مثبّت.