أمل إسماعيليبدو وجهه متجهّماً، وأحياناً ضاحكاً. العنصر الأساس في تحديد تعابيره، الإجابة عن التالي: هل من يقود السيارة رجل أم إمرأة؟ لا يعترف بذلك صراحة. إذ يقول بجدية وهو يلوّح بعصاه «العصا لمن عصا». وما هي إلاّ لحظات حتى يبرهن عكس كلماته: سيارة تحمل لوحة سياحية لا تستجيب لطلبه بالتوقف، فيعلّق بسخرية «ليش فينا نحكي معن نحنا؟».
هو شرطي سير. سبع ساعات يومية من الوقوف المتعب، مراقباً حركة المرور، جعلت منه رجلاً اعتاد مخالفات الموطنين.
وصل إلى مكان خدمته، بعدما أصبحت حركة السير رديئة نتيجة تأخره. وضع قبعته، وتوجه نحو سيارة أجرة واقفة صارخاً «يا مرسيدس خلينا رايقين عالصبح». يبتسم، يتفقد هاتفه الخلوي، ويعلق «حرام شوفير التاكسي بيحرق القلب هالأيام». هذا الشعور بالشفقة يجعله يغضّ النظر أحياناً «شو؟ قديش بيطلّع بالنهار؟».
ساعات الملل في النهار جعلته يضع سماعات هاتفه في أذنيه مستمعاً لأغنيات سجلها في ذاكرة الهاتف. غير متزوج بسبب «قلة وفا النسوان»، إضافة إلى قلة راتبه الذي لا يصمد كثيراً في جيبه. أكثر ما يزعجه في العمل، الاستيقاظ باكراً، لكونه يسكن في إقليم الخروب. إضافةً إلى الوقوف تحت الشمس. وغالباً ما يستريح بالقرب من المحالّ التجارية المكيّفة.
تراه تناسى تنظيم السير ليردّ على هاتفه «هيدي الوالدة عم تسألني شو بدا تعمل إفطار». لم يتأثر كثيراً بحلول شهر رمضان، فدوام العمل لا يزال نفسه. «بس العطش مع الوقفة بالشمس مصيبة». لكنّ صيامه لن يمنعه طبعاً من مغازلة الفتيات «ولك جمالو..، يا أرض احفظي ما عليكي». اعتاد مغازلة الفتيات، إذ يرى أن «التلطيش مهنة العاملين في الشارع». «بتضهر التلطيشة لا إرادياً» يقول! و«سبحان يللي خلقن، في بنات ما بيتقاوموا!».
لا شيء يستفزه أكثر من النساء، فهن «لا يعرفن القيادة، ورغم ذلك، يبدأن بالمناقشة عند طلب الرخصة».
يعود لتنظيم السير، يمازح سائقي التاكسي، ثم يرحب بحرارة «بأبو محمد» بائع اليانصيب. يعيد إليه مسبحته معتذراً لعدم إصلاحها. الصداقات التي كوّنها مع موظفي المحالّ التجارية، وباعة اليانصيب، ومندوبي بعض الشركات هي الأهم. يسكت قليلاً، قبل اعترافه بخجل بأنه أغرم منذ سنة بمندوبة مبيعات، «كنت أترك السير للتحدث معها، بس طلعت ما بتستاهل»، ليتحفّظ فجأةً عن سرد الرواية معلّقاً بسخرية «ما بدي إنزع نهاري».
يسند ظهره إلى إشارة «ممنوع الوقوف»، يستفزّه عدد السيارات المتوقفة بالقرب من الإشارة، فيتجاهلها «بحياتو اللبناني ما رح يعرف النظام بوجود الوسايط». ويدرك فجأةً أنّ الوقت دهمه فيستأذن.