هيثم خزعليبدو المشهد اعتيادياً في موقف حي السلم: باعة متجولون، زحمة سير خانقة، طابور من سيارات الأجرة والفانات... وزمير لا يعلو فوقه صوت. تستقل الميني باص إلى الكولا، تصعد وعينك على الساعة التي تخطت العاشرة وتأمل أن تصل في الحادية عشرة، الموعد الذي ارتبطت به أمس. يسير الفان الكحلي ببطء شديد، يتبعه فانان آخران. الطريق خالية والسائق لا يزيد من سرعته. تعلل الأمر بعطل طارئ... يقترب فان آخر فيزيد السائق من سرعته بشكل جنوني. تبدأ المعركة بين الفانين، لتشمل بعد ذلك فاناً ثالثاً يلاحقهما. شتائم بالجملة، ضغط مستمر على الزمور. يتوقف السائق الأول كي يصعد أو ينزل راكباً فيستغل السائق الذي يتبعه الفرصة، يمضي عكس السير ليتصدر الموكب، ويصبح الأقرب إلى الركاب المنتظرين إلى يمين الطريق. وهكذا تنطلق سياسة كر وفر محفوفة بالمخاطر.
عند تقاطع المعمورة، ترجو من صميم قلبك أن يسلك السائق طريق الأوتوستراد لكنه يقصد الطريق الأخرى، وتذهل حين يتبعه السائقان الآخران لإكمال المعركة. تضيق الطريق وتصبح الرحلة أكثر خطراً.
تهمس لأحد الركاب مستفهماً، يبتسم قائلاً «سياسة المحادل، أنت في معركة بين سائقي الفانات». الركاب المياومون ألفوا المشهد، يستقل بعضهم «الفان» قبل موعد عمله بساعة أو أكثر. يتحول الباص في الرحلة الطويلة إلى صالون أحاديث، يقرأ راكب جريدته، ويلعب البعض بالخلوي. بعد انقضاء ساعة يصل الموكب إلى المشرفية، يكمل السائق طريقه إلى الكولا، فيما يعود الآخران أدراجهما آذنين بانتهاء المعركة.