غادة نجار تعالج الدكتورة بولا بايلي هاملتون في كتابها «لا تدعوا القرن 21 يقتلكم» أحد أكثر المواضيع خطورة على صحتنا وصحة أطفالنا في هذا الزمن، ألا وهي المواد الكيميائية. وقد استطاعت المترجمة فاتن صبح أن تنقل إلى العربية الأفكار والمعلومات بشكل علمي ودقيق، من حيث الأسلوب، رغم أن الكتاب يحتوي على الكثير من المعلومات المتخصصة، إلا أن سلاسة الأسلوب تجعله بمجمله في متناول الجميع. هاملتون واحدة من قلة من الأطباء الذين تجرأوا على الخروج من المدرسة التقليدية للطب الغربي ونظرتها إلى أساليب العلاج التي تعتمد المواد الكيميائية بشكل أساسي في مواجهة الأمراض التي تصيب الإنسان. تشير الكاتبة نفسها إلى هذا الأمر حين تذكر في كتابها أن «الجهل المطبق وعدم مبالاة الكثير من الأطباء هو ما شجعني أنا الطبيبة والأكاديمية وربة المنزل والأم لأربعة أولاد على تأليف هذا الكتاب....». تبدأ هاملتون بذكر المواد الكيميائية التي اجتاحت حياتنا مع بداية التطور الصناعي، فتفصَل أماكن وجودها من حولنا ومضارها على صحتنا، فتشير مثلاً إلى كثرة المواد الكيميائية السامة في تلوينات ملابسنا وأدوات التجميل والتنظيف التي نستخدمها وأواني الطبخ وحفظ الطعام التي تكثر في مطابخنا، والكثير من الأطعمة التي نتناولها، ومياه المسابح التي نقصدها مع أولادنا وغيرها. ولأن هذا الواقع بات صعب التغيير، تنتقل هاملتون إلى تفصيل أساليب الوقاية منه ما أمكن، وكيفية اعتماد أسلوب حياة أكثر صحة وخلواً من الكيميائيات السامة. وتختم الكاتبة الجزء الأول من كتابها بالتشديد على أهمية اعتماد المكملات الغذائية وضرورة استخدام مستحضرات التجميل والمنظفات المنزلية الخالية من المواد الكيميائية السامة، كما تضع بين أيدي القراء نظاماً غذائياً مفصلاً على مدى سبعة أيام يهدف إلى تنظيف الجسم من السموم. ولأن جسم الإنسان مهيأ بطبيعة تكوينه لمقاومة عدد محدود من السموم الكيميائية، فإن الكمية التي يتعرض لها إنساننا اليوم والتي تتراوح بين الثلاثمئة والخمسمئة من المواد الكيميائية والتي تنتشر في كل مكان حوله وحتى في بيئته الطبيعية، جعلت أجسادنا أكثر ضعفاً وعرضة للإصابة بأمراض متنوعة وخطرة، وذلك منذ الطفولة الأولى. هذا الأمر جعل هاملتون تتطرق في الجزء الثاني من كتابها إلى مجموعة من الأمراض الناتجة من التسمم الكيميائي، فتذكر بالاسم المواد الكيميائية المسببة لكل مرض وكيفية محاربة تأثيرها والخطوات التي يجب اعتمادها من أجل التخلص من المرض أو تخفيف أعراضه والحد من انتشاره. وقد أسهبت الكاتبة في معالجة هذه المراحل على امتداد تسعة فصول، تناولت فيها أمراض جهاز المناعة والاضطرابات العصبية واضطرابات الجهاز الهضمي والاضطرابات الهرمونية وأمراض القلب والشرايين والسرطان والحساسية على المواد الكيميائية المتعددة والبدانة، ومشاكل العضلات والعظام واضطرابات مرحلة الطفولة. ويجدر التنويه هنا بهذا الفصل الأخير، حيث تشرح هاملتون أسباب ازدياد نسبة الأمراض المزمنة والعصبية لدى الأطفال، وتلفت إلى حقيقة أن أجسادهم الفتية التي لا تزال في طور النمو تعجز عن الدفاع عن نفسها حتى أمام المواد الكيميائية التي يستطيع البالغ درء خطرها عنه. واللافت أن الكاتبة تؤكد ارتباط بعض الأمراض كاضطراب نقص الانتباه ADD ونقص الانتباه والنشاط المفرط ADHD والتوحد Autism وعسر القراءة Dyslexia بتعرض الطفل منذ كان جنيناً إلى المواد الكيميائية السامة. من الممكن أن تختلف بعض المدارس التي تعتمد الأساليب الطبيعية مع الدكتور هاملتون في الأنظمة التي اعتمدتها في كتابها من أجل تنظيف الجسم من السموم، لكن مما لا شك فيه أن الكاتبة استطاعت تقديم منهج قابل للتطبيق في مواجهة معضلة خطيرة تواجه إنسان هذا العصر.