في إطار فعاليات إحياء الذكرى 26 لمجزرة صبرا وشاتيلا، افتتحت الجمعيات الفلسطينية معرضاً فنياً في الأونيسكو. يتضمن المعرض رسوماً للأطفال، لوحات راقصة وأشغالاً حرفية ويدوية
قاسم س. قاسم
يرسم أطفال مخيم برج البراجنة «مجزرة صبرا وشاتيلا» على الرغم من أنّهم لم يعيشوها. المجزرة، من بقر بطون النساء إلى الرمي بالرصاص، وحتى طعن الجثث، كانت مرسومة بتفاصيل متخيلة في لوحاتهم. من أين أتوا بالفكرة؟ من أين تلك التفاصيل وكأنهم كانوا موجودين؟ لم تخلُ لوحة قمر دياب (8 سنوات) من جثث الأطفال. فالمجزرة التي لم تعشها خبّرتها عنها والدتها، فأحسنت تصويرها برسم جثث الصغار المقتولين على الأرض. في لوحة قمر تقف دبابة إسرائيلية على تلة لتقصف المخيم، يطغى اللون الأحمر على اللوحة ليغطي البيوت والجثث الموزعة، بالمقابل تظهر ابتسامة الجندي الموجود على دبابته. بالنسبة إلى قمر، مجزرة صبرا وشاتيلا هي عبارة عن «بيوت مدمرة، وولاد ميتين». تجمع قمر نقيضين فعلى الرغم من الدمار الموجود في لوحتها تظهر الشمس متربعةً في كبد سماء صافية.
أما محمد طنطورة (15 سنة)، فهو يشعر بأنّه عاش المجزرة «الناس اللي ماتوا فيها أكثر من الأحياء الذين خرجوا منها». لم يكن الموت الذي حصد أرواح الشهداء بالنسبة إلى محمد إلاّ بيد «العدو الإسرائيلي الذي ذبح العالم، واستعمل السواطير». تفاصيل المجزرة كانت من الأهل، الجمعيات، والمجتمع المحيط به. وفي هذا الإطار، يشير محمد إلى لوحته ليدلّنا على امرأة سمع قصتها من أحد أقاربه، فظهرت وهي تركض حاملةً ولدها وخلفها من يطلق النار عليها. دفء الألوان التي استعملها تظهر حميمية الموت، فاللون البرتقالي الذي اختاره لم يكن عبثياً لأنّ «المجزرة حصلت مع بدء هبوط الليل». مع الموت الذي تضمنته اللوحة وقفت شجرة زيتون عارية من أوراقها أضافها محمد ليذكّر «برمز الشعب الفلسطيني».
وسحر عيساوي (12 سنة)، ربما كانت الوحيدة التي غابت المجزرة عن لوحاتها. لكنها اختارت رسم الحياة اليومية في المخيم: فبدت الأحياء الضيقة، وأطفال يلهون على أسطح البيوت. «ما إلنا غير السطوح»، تقول. فهي أصبحت الملجأ الوحيد لهم هرباً من ضيق البيوت والمشاكل مع الجيران. كذلك صوّرت العرس التراثي الفلسطيني: العروس تقف بفستانها الأبيض، فرقة الدبكة من حولها، ووالدة توزع الحلوى بلباسها التراثي. «لا تزال الفرحة في قلوبنا، رغم التهجير والمجازر التي حصلت لشعبنا» تقول سحر.
بقي المخيم بحلّته القديمة في ذهن زينب جبالي (9 سنوات)، فجسدت اللجوء بمراحله الأولى في مخيم البرج. خيم عسكرية منتشرة، ونار لم تنطفئ على الرغم من المطر. لم تكن زينب موجودة حينها، لكن مخيّلتها والأخبار التي سمعتها من جدها جعلتها تصوّر اللجوء «فرحة» على وجوه اللاجئين.
جلست «فلسطين» في زاوية أخرى من المعرض، شارك المشرف محمد محمود الأطفال في رسمها. فصوّروا غزة بحصارها ومآساة سكانها، وإلى جانبها سفينة تنتظر فرصتها لتكسر الحصار. أما مفتاح العودة فكان الحاضر الأساسي في اللوحة مخترقاً خريطة فلسطين التي لوّنت بألوان العلم الوطني. يشرح محمود أنّ الرسم كان أفضل وسيلة للتعبير عن «نظرة الأطفال للمجزرة»، معتبراً أنّه من «المعاناة يولد الإبداع». يذكر أنّ لوحات الأطفال ستعرض في قصر الأونيسكو بدءاً من الاثنين.