جانا رحال يواجه باحثون في علم النفس معضلة خاصة، تتلخص كالآتي: يتمتع الإنسان بالحدس، ويعرف الأطفال أيضاً هذا الإحساس. فيما يقوم عمل الباحثين على استبعاد دور الحدس في عملهم التحليلي أو العلاجي. من المعروف أن الأهل والأولاد يعيشون ويفكرون ويشعرون سوياً بطرق واضحة ومعقدة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار: كيف يمكن أن يتعاطى المعالج النفسي مع التجارب اليومية التي يكتسبها الأهل من خلال تفاعلهم مع الأطفال؟
يطرح شارلز فيرنيهوف في كتابه «The Baby in the Mirror» وفاسودفي ريدي في «How Infants Know Minds» السؤال نفسه، ولكن بطرق مختلفة. هذان الكاتبان يصفان حياة الاطفال، وخصوصاً أطفالهما، بشكل دقيق وحساس. وكما ورد في المقالة التي نشرت في «The Times» أن كتاب ريدي مليء بالصفات الواضحة لطرق الألاعيب التي تجعل الرََُضّع يخجلون ويسخرون مع أهلهم. أما فيرنهوف فيروي في كتابه تفاصيل حياته مع ابنته في السنوات الثلاث الأولى من حياتها. ولكن لم يقدم أي من الكاتبين أية معلومات قيّمة عن علم تطوّر المعرفة.
إن تطور المعرفة يعتمد على نظرية شاملة، مفادها أن العقل يقوم بحسابات معينة والدماغ يستخلصها. وعلم تطور المعرفة يقدم أسئلة كثيرة منها: من أين تأتي هذه الحسابات؟ هل هي موجودة منذ الولادة؟ كيف تتكوّن هذه المعارف وكيف نتعرف من خلالها على عالمنا الحقيقي؟
إن العلاقة بين العلوم وتجربة فيرنيهوف اليومية مع ابنته ليست واضحة، فهو يرى ـــ كما يقول فياجيت ـــ أن الأطفال الرُضّع لا يمكنهم تذكر أحداث ماضية أو تقديم أشياء غير موجودة، بعدها يوافق مع إليزيبيث سبلك بأن الأطفال الرُضّع يتمتعون بالقدرة على تقديم الأشياء والأشخاص كالراشدين. ولكن إذا كان كلام فياجيت صحيحاً، تكون سبلك مخطئة والعكس صحيح.
إن فهم التفاعل الاجتماعي أصبح ضمن أحدث الدراسات في التطور المعرفي. وموضوع عنوان ريدي «كيف يعرف الرضيع العقل» هو السؤال الذي يحاول الجميع الإجابة عنه. وفهم عقول الآخرين هو جوهر الحياة الاجتماعية اليومية على حد قول ريدي.
يظن علماء النفس الذين يدرسون «نظرية العقل» أن كل طفل رضيع يجب أن يعرف شيئاً عن عقول الناس. والبعض بدأ باكتشاف كيفية معرفة الأطفال للعقل. فجعلت أماندا وودورد طفلاً يبلغ من العمر 7 شهور يشاهد يداً تمتد على شيئين كالطابة واللعبة، ثم بدّلت مواقع اللعبتين وجعلت الطفل يشاهد اليد تمتد على الشيء الجديد. تفاجأ الطفل عندما رأى اليد تمتد على الشيء الجديد ولم يعد ينظر إلى الحدث، لأن الطفل اعتقد أن اليد تتعلق بالشخص الذي يريد الشيء.
أعطى العلماء، في الدراسة النهائية، طفل الثلاثة أشهر «قفازاً»، لا يستطع الأطفال عادة أن يصل للأشياء بهذا العمر، لكن القفاز أعطاهم القدرة على ذلك. تُظهر هذه الدراسات أن الباحثين في علم النفس يمكنهم دمج معلومات المراقبة والتجربة لمعرفة اكتشافات حقيقية عن معرفة الأطفال للأشخاص الآخرين. وهذه الاكتشافات يمكنها أن تكون بمثابة أجوبة عن أسئلة فيرنيهوف وريدي.
الدراسات التجريبية أظهرت أن الطفل يتعلم من تجاربه الخاصة، والنظريات الحسابية للتعليم جعلت الأمر ممكناً. وهذا النوع من العلوم يجعل تجارب أطفالنا اليومية أغنى، ويعطي أيضاً علماء النفس الثقة لمتابعة دراستهم عن الناس والأطفال.