بيار أبي صعبهناك أكثر من إميل حبيبي. صاحب «المتشائل» الذي رأى فيه فيصل درّاج «وجهاً ضائعاً بين الأقنعة المتعدّدة»، ما زال بعد 12 عاماً على رحيله يبعث على الحيرة. لعلّها، بلا شك، سمة أساسيّة من سمات تلك الشخصيّة الإشكاليّة لواحد من أكبر المبدعين الفلسطينيين والعرب في القرن العشرين... لكنّ تلك الحقيقة تعكس أيضاً الواقع المعقّد لكاتب قرّر البقاء في فلسطين التاريخيّة بعدما صار اسمها «إسرائيل»، متآلفاً مع الواقع الجديد، متعايشاً معه أديباً وسياسيّاً على حدّ سواء. في الأدب، جاءت أعماله تعبيراً عن مقاومة من نوع آخر، من أجل البقاء، والحفاظ على الهويّة. كتب المأساة الفلسطينيّة من موقعه، موظِّفاً التراث والذاكرة الجماعيّة والمزاج الشعبي وذائقته المتصلة بالأدب العالمي، بلغة أنيقة وحيّة. هكذا أرّخ لقضيّة شعبه، وواجه الاحتلال بسلاح السخرية.
في السياسة، كان الأمر مختلفاً، وخصوصاً من وجهة نظر «الخارج»، الفلسطيني والعربي. لقد تعامل إميل حبيبي منذ البداية مع الأمر الواقع، واختار أن يكون مواطناً في تلك الدولة القسريّة، له حقوق يطالب بها، ولا يتردّد في فعل كلّ ما من شأنه تعزيزها... وصولاً إلى قبول «جائزة إسرائيل» في الأدب عام 1992.
في هذا السياق تندرج فرحة أصدقائه ورفاقه وقرّائه في الداخل، بعد إطلاق اسمه أخيراً على مستديرة في حيفا مسقط رأسه، عند مدخل حيّ وادي النسناس العربي. هنا عاشت بطلة «أم الروبابيكا»، إحدى قصص «سداسية الأيام الستة» (١٩٦٨) التي حوّلها إلى مسرحيّة قبيل رحيله: هند الباقية وسط أطلال الماضي تنتظر عودة جيرانها الذين طردوا من بيوتهم عام 1948. ما هم أن تكون البلديّة الإسرائيليّة التي تتمثل فيها الأقليّة العربيّة للمدينة، هي التي أصدرت القرار! حبّذا لو تسمح حكومة الاحتلال، تسمح أيضاً بعودة محمود درويش إلى تراب الجليل، وتطلق اسمه على شارع في البروة التي لم تعد موجودة. فكما قال لنا حبيبي بأسلوبه الساخر في «المتشائل» قبل ٣٤ عاماً، فلسطينيّو الداخل جالسون ــــ شاؤوا أم أبوا ــــ على «خازوق»، هو كل ما بقي لهم من بلادهم. ولعلّه بالنسبة إلى كثيرين منهم، أفضل من كل أشكال الغربة والشتات.