كنث روغوف*ترغب الحكومة في السماح لمؤسسات «وول ستريت» بالفشل. هذا جيّد. أوضحت الخزينة الأميركيّة والاحتياط الفدراليّ خلال نهاية الأسبوع الماضي أنّهما لن يدعما كلّ مؤسّسة ماليّة هامّة في الولايات المتّحدة. وصدم الخبر العديد من الخبراء الماليّين. وبرهن الناظمون الماليون أنّهم ليسوا ضعفاء على الإطلاق، وذلك من خلال السماح لرابع أكبر مصرف استثماري في البلاد «ليمن بروذرز» بالإفلاس. كما أشاروا إلى أنّهم مستعدّون لرؤية المزيد من الإفلاسات.
السؤال الذي يُطرح الآن هو: ماذا سيحصل؟ إذا افترضنا أنّ القطاع المالي سيُكمل انزلاقه خلال الأشهر المقبلة، هل على الدولة التدخّل؟ ومتى؟ علماً بأنّ التدخّل سيكون خطأً إذا ما تمّ تعزيز القطاع أوّلاً. وخلال الانتعاش الملحمي في العشرين سنة الماضية، انتفخ قطاع الخدمات الماليّة بطريقة خطرة. وفي أوجّه، ضمّ ما يفوق ثلث أرباح الشركات في الولايات المتّحدة، إضافةً إلى مكافآت يدفعها «غولدمان ساشز» (12.1 مليار عام 2007) وآخرون لموظّفيهم.
وفي ظلّّ انتفاخ كارثة القروض العقارية العالية المخاطر، تُشاهد بنوك الاستثمار أكثر أعمالها ربحاً تتبخّر. فلن تأتي هذه القروض بأرباح عمّا قريب، كما هي الحال في ما خصّ دوائر عمل أخرى تعتمد بشكل أساسيّ على الاقتراض الواسع.
عوضاً عن ذلك، تُعدّ عملية «عدم تعزيز الأصول» كلمة السرّ في النظام المالي، في حين تشذّب فيه الشركات قروضها ومواقعها المالية.
وفي وقتٍ هبطت فيه الأرباح إلى مستويات أكثر واقعيّة، سيغرق النظام المالي الأميركي. ومن المحتمل أن يخسر 15 في المئة من الموظّفين في القطاع الماليّ وظيفتهم على الأقلّ، بما في ذلك موظّفو الفئات العليا.
من الممكن أن يحدث هذا الانكماش في جميع الشركات والبنوك التي ترتّب عمليّاتها تدريجاً. لكن النظام الرأسمالي لا يعمل بهذه الطريقة. ففي صناعة السيارات والطائرات والتكنولوجيا، القوي يلتهم الضعيف. ولهذا السبب، لم يكن بالإمكان تفادي انهيار بعض المصارف أو اندماجها مع أخرى، حتّى على صعيد المصارف الكبرى. لذلك، وضح منذ بضعة أشهر، فإنّ صدمة النظام المالي الأميركيّ لم تنته. في السياق، يُعدّ السماح لمصرف استثماري كبير بالإفلاس ـــــ كما فعلت الخزينة والمصرف الفدرالي نهاية هذا الأسبوع ـــــ مجازفة مدروسة في ظرف صعب. والمخاطر حقيقيّة للغاية. ففي ظلّ الارتباط المتبادل في النظام المالي، لا يمكن معرفة إلى أين سيؤدّي أوّل انهيار لمصرف استثماري كبير.
في المقابل، فإنّ توظيف نحو 10 مليارات دولار في خزينة الضرائب، كما فعل الاحتياط الفدراليّ في آذار الماضي، عندما انهار المصرف الاستثماري «bear stearns»، ليس جواباً.
ومع استمرار ضعف سوق العقارات، ومع احتمال تأثّر صادرات الولايات المتّحدة بتعثّر الاقتصاد العالمي، ومع ارتفاع نسبة العاطلين من العمل، من الواضح أنّ دعم «ليمن بروذرز» لن يوقف الصدمة في النظام الماليّ.
ووضع المصرف الاحتياطي الفدرالي يده خلال آذار الماضي على قيمة 29 مليار دولار من ممتلكات «bear stearns». ودعم «ليمن بروذرز» كان يتطلّب على الأقلّ، الدرجة عينها من الالتزام، التي كانت مبرّرة لو استطاعت وضع حدّ للأزمة، علماً بأنّ ذلك لم يحصل مع تأرجحات أكبر. كما يجب ذكر تريليونات الدولارات التي استدانتها الخزينة منذ عشرة أيّام من أجل دعم عملاقي القروض العقاريّة «fannie mae» و «freddie mac». ومن المتوقّع أن تكلّف هذه العمليات دافعي الضرائب بين 100 و200 مليار دولار إذا اعتبرنا أنّ أسعار العقارات والمنازل انخفضت بنسبة 10 أو 12 في المئة.
هل سيتمكّن دافعو الضرائب من الهروب من دون ضرر إضافيّ؟ على الأرجح كلا. ومن المتوقّع أن يستمرّ الضغط لفترة، وأن يطال ديون الشركات، ويضرب الصانعين الكبار للسيارات، وآخرين. كما ستغضّ الحكومة الفدراليّة النظر مجدّداً، وسيدفع المواطنون مئات مليارات الدولارات على الأقلّ، قبل أن تنتهي هذه الفوضى العظيمة.
ومن خلال تحميل مسؤولية الإخفاق للشركات المالية الكبيرة، أدخل الناظمون الماليون على الأقلّ بعض الالتزام إلى قلب النظام، دافعين المصارف والمستثمرين إلى التفكير مرتين قبل الإقدام على المغامرات والتزاحم على السباق. ومن خلال السماح للشركات الكبرى التي خاضت مخاطر، بالفشل، فإنّ الناظمين الماليين يخفّفون أيضاً من الضغط السياسي لإعادة تنظيم النظام عقب الأزمة.
فلنأمل أن يصمدوا في النهاية لفترة أطول.
* أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد
(عن صحيفة «واشنطن بوست». ترجمة شارا جزّار)