تطوران دفعا إلى عقد مؤتمر صحفي في خيمة أهالي المفقودين في السجون السورية: اللوائح الجديدة التي تسلمها لبنان من سوريا، وشهادة معتقل مفرج عنه حديثاً من السجون السورية. حضرت اللوائح وغاب عمر يحيى
بسام القنطار
باكراً اصطفت كاميرات وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية في «حديقة جبران» قبالة بيت الأمم المتحدة في بيروت. العدسات التقطت 43 امرأة حملن صور أولادهن وأزواجهن المفقودين، والمتهم بإخفائهم قسراً هو السلطات السورية وعدد من الميليشيات اللبنانية إبان الحرب الأهلية.
المشهد ليس جديداً، والمؤتمر هو واحد من عشرات المؤتمرات الصحفية التي نظمتها لجنة أهالي المعتقلين في السجون السورية، ولجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، ولجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان.
1261 يوماً قضاها الأهالي في الخيمة، التي نصبت قبل أي خيمة أخرى، وبقيت بعدما فُكِّكَت كل الخيم، وباتت مرشحة لدخول كتاب «غينيس» باعتبارها رمزاً لنشاط مطلبي قد يكون الأطول في العالم.
مستوى «الشهية الإعلامية» المرتفع في تغطية هذا الحدث، سببه إعلان اللجان المنظمة حضور معتقل مفرج عنه حديثاً من السجون السورية، وأنه سيقدم شهادته التي يؤكد فيها وجود لبنانيين مخفيين قسراً في السجون السورية.
انتظرت وسائل الإعلام حضور «الشاهد» المحرر حديثاً. لكن رئيس لجنة «دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين ـــــ سوليد» غازي عاد، أعلن «أن المدعو عمر يحيى من بلدة بريح الشوفية اعتذر في اللحظات الأخيرة عن الحضور، وذلك بداعي الخوف».
لماذا تراجع يحيى عن الحضور؟ سؤال تعذرت الإجابة عنه. فبعد الاتصالات التي قامت بها «الأخبار» للوقوف على سبب تمنعه عن المجيء، تبين أنه أقفل هاتفه النقال. بدوره أكد عاد في حديث خاص لـ«الأخبار» أن أقرباء يحيى راجعوا «سوليد» مرات عدة بشأنه بعدما اعتقلته السلطات السورية على الحدود في منطقة «جديدة يابوس» في 6/6/2008 من دون إبلاغ السلطات اللبنانية، وأُفرج عنه أيضاً من دون إبلاغ السلطات اللبنانية أو معرفتها.
وأشار عاد إلى «أن اسم عمر مذكور على لائحة من 34 سجيناً في السجون العسكرية التي كانت قد تسلمتها اللجنة القضائية اللبنانية منذ قرابة أسبوعين، في الوقت الذي كان فيه عمر يغادر الأراضي السورية عائداً إلى لبنان في غفلة مطلقة للأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية». وأشار عاد إلى أن «جهة سياسية لبنانية نافذة في سوريا هي التي أسهمت في الإفراج عن يحيى».
وفي اتصال مع «الأخبار» أكد الوزير السابق وئام وهاب أن أهل يحيى راجعوه مرات عدة بشأنه، فتابع ملفه لدى الجهات المعنية، إلى أن أُطلق سراحه، وأردف: «أُوقف بعد ورود اسمه في عدة شكاوى قضائية تقدم بها العديد من العمال السوريين الذين تعرضوا للضرب في منطقة الشوف، وتحديداً في بقعاتا، وقد اعترف بأنه متورط بهذه الاعتداءات».
لكن، ما الذي حصل مع يحيى؟ يرى عاد أن قرار يحيى بالتراجع ناتج من خوفه من الملاحقة، وربما كان قد تعرض لضغوط عائلية أو سياسية دفعته إلى التراجع عن التحدث لوسائل الإعلام «رغم أنه سبق وزار مقر الجمعية بعد إطلاقه، وأبدى رغبة بتقديم شهادة عن فترة سجنه في القسم 235 في فرع فلسطين».
وبالعودة إلى المؤتمر الصحفي، دعا عاد الحكومة للمبادرة إلى إنشاء لجنة وطنية مستقلة وفقاً للاقتراح المقدم إلى رئيس الجمهورية بتاريخ 21 تموز 2008. وكرر دعوتها تكليف أحد الوزراء الستة من دون حقيبة تسلم مسؤولية هذه القضية كما فعلت حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
بدورها استطلعت «الأخبار» آراء 4 وزراء دولة في اقتراح ترؤسهم لهذه اللجنة، فأبدى الوزير وائل أبو فاعور استعداده «إذا طلب مني ذلك»، مشيراً إلى أن «المطلوب تنشيط ملف العلاقات اللبنانية السورية الذي يتولاه رئيس الجمهورية شخصياً، لا تأليف لجنة جديدة». الوزير جان أوغاسبيان رأى أن «الموضوع يحتاج إلى بحث»، وأضاف: «تابعت هذا الملف، لكني لست مطلعاً على تفاصيله. لذلك أتحفظ على قبول المهمة قبل دراسة الملف بشكل تفصيلي».
بدوره أبدى الوزير يوسف تقلا استعداده لتولي هذه المهمة «في حال تكليفي رسمياً من فخامة الرئيس ومجلس الوزراء»، وأردف: «لست مطلعاً على هذا الملف، ولكني جاهز لتوليه في حال تكليفي». فيما تحفظ الوزير نسيب لحود على التصريح، لأنه يريد «درس الموضوع».
وتناول المؤتمر اللوائح التي تسلمتها اللجنة القضائية اللبنانية من الطرف السوري، وتضم أسماء 107 سجناء في السجون المدنية (45 موقوفاً بأحكام جنائية و62 موقوفاً لم تصدر بحقهم أحكام بعد ومن ضمن اللائحة 5 نساء محكومات و10 نساء موقوفات). كذلك تضم 34 سجيناً في السجون العسكرية معظمهم موقوفون حديثاً وبعضهم لم تصدر أحكام بحقهم بعد.
وأعلن عاد أن هناك 40 حالة من الحالات الـ 107 كانت مدرجة على لائحة «سوليد» التي قدمتها اللجنة القضائية اللبنانية إلى الطرف السوري وكان الجواب دائماً منذ تألفت اللجنة المشتركة في حزيران 2005 حتى الأمس القريب النفي المطلق لوجود لبنانيين في السجون السورية، علماً بأنه حتى المحكومون في سوريا لم تكن السلطة السورية تعترف بوجودهم في سجونها، وفجأة تم الاعتراف وظهرت أسماء جديدة إضافية لم تكن مدرجة على لائحة (سوليد)».
وشدد عاد على أن «عدم الاعتراف بالمخفيين قسراً يشير إلى عدم وجود تغيير في نهج التعاطي السوري مع المؤسسات الشرعية اللبنانية بدليل أن السلطات السورية لم تعلم السلطات القضائية اللبنانية بالمواطنين اللبنانيين الذين تعتقلهم ولا بالتهم الموجهة إليهم ولا بالأحكام الصادرة بحقهم وفقاً للاتفاق القضائي بين البلدين. كذلك اتهم السلطات اللبنانية «بالتقصير الفاضح بحق مواطنيها، حيث لا علم لها بوجود لبنانيين في السجون السورية، وهي في غيبوبة تامة عن عملية دخولهم إلى السجن أو عن الإفراج عنهم وعودتهم إلى لبنان».
من جهتها وجهت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني لوماً شديداً للسلطات اللبنانية التي «لا تتعاطى بشفافية مع أهالي المفقودين». وقالت إنها فوجئت بنشر هذه اللوائح على موقع «القوات اللبنانية» الإلكتروني مع العلم أن وزير العدل إبراهيم نجار رفض تسليم اللوائح للجان المعنية تحت حجة أخذ موافقة الحكومة. ولقد حاولت «الأخبار» الاتصال بوزير العدل لاستيضاحه كيفية تسرب اللائحة إلى موقع «القوات» فلم يكن على السمع.
بدوره رأى وديع الأسمر باسم المركز اللبناني لحقوق الإنسان «أن اللوائح التي تسلمتها اللجنة القضائية اللبنانية تمثّل خطوة منقوصة من السلطات السورية، وأنها لم تأت على ذكر اللبنانيين الذين اعتقلتهم قواتها في لبنان ونقلتهم إلى سجونها وحولتهم إلى ضحايا إخفاء قسري عبر عدم الاعتراف باعتقالهم وعدم الإفصاح عن مصيرهم ومكان وجودهم».


مهمات الحكومة اللبنانية

طالبت اللجان المعنية بقضية الإخفاء القسري الحكومة اللبنانية بالعمل على استرجاع اللبنانيين المعلن عنهم في اللوائح التي تسلمتها السلطات اللبنانية من سوريا وفقاً للاتفاقية القضائية الموقعة بين لبنان وسوريا، وإعادة محاكمتهم في لبنان وتطبيق القوانين اللبنانية عليهم.
ـــــ الاستمرار في مطالبة السلطات السورية بكشف مصير اللبنانيين المخفيين قسراً في سجونها، وخاصة أن هناك حالات موثقة لا يمكن إنكارها.
ـــــ المباشرة فوراً بتأليف لجنة وطنية تضم إلى جانب ممثلي الحكومة، ممثلين عن لجان الأهل وعن الجمعيات العاملة على الملف وعن المنظمات الدولية والمحايدة مثل مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي. مهمة اللجنة هو حل قضية المخفيين قسراً، في لبنان وخارج الحدود، من لبنانيين وغير لبنانيين مقيمين على الأراضي اللبنانية، بما يؤدي إلى الإفراج الفوري عن الأحياء أينما كانوا، والإعلان عن الذين أصبحوا في عداد الموتى، بما يضمن لهؤلاء جميعاً حقوقهم الإنسانية وحقوق عائلاتهم المعترف بها دولياً.