على هامش استمرار حملة التشدد بتطبيق قانون السير التي بدأتها وزارة الداخلية الاثنين الماضي، تبدو حركة الناس باتجاه محال بيع الأكسسوارات مقياساً لمدى تصديق هؤلاء لجدية الحملة. هكذا، وفيما يعتقد البعض أنّها ستكون كسابقاتها «تنتهي قبل أن تبدأ»، فيستعينون بـ«أكسسوارات غير جدية» لمجرد تقطيع «هالكام يوم»، يبدي الكثيرون قناعةً بأنّ الأمور مختلفة هذه المرّة
محمد محسن
الاستغناء عن السيارة، أمر صعب بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين، فكيف إذا كان ذلك بالحجز، أي ما يتطلّب دفع أموال إضافية لتحريرها؟. لذا يستقبل المواطنون حملة السير الجديدة، بمجموعة من الاحتياطات التي تراعي أدّق التفاصيل. وهي احتياطات تبدأ بالتدقيق بشهادة الميكانيك، ولا تنتهي بنزع «الفوميه» عن زجاج السيارة أو تغيير شكل اللوحة. لذا، تجد زحمة على محال أكسسوار وقطع السيارات، حيث اختفت الأضواء الملوّنة والمراوح الصغيرة، وحتى صور السياسيين من الواجهة، لمصلحة مستلزمات أكثر جدية تقي أصحاب السيارات الحجز.
يفتح وائل زيعور دفتر المبيعات في محلّه بمنطقة المريجة، رداً على سؤالنا، ينظر في أسفل الصفحات حيث «المجموع». يشير إلى أنّ الطلب ارتفع بشكل واضح على مطافئ الحرائق «البودرة». وأنه منذ مطلع الأسبوع الذي سبق بداية حملة وزارة الداخلية «بعنا حوالى خمسين طفّاية»، الأمر الذي يعدّه قياسيّاً بالنسبة إلى الأيّام العاديّة. أمّا في أيام الحملة، فقد فوجئ زيعور وغيره من التجّار، بحجم «المبيعات التي ارتفعت بشكل مخيف»، حيث إنه باع منذ بداية الحملة ما يقارب مئة مطفأة. يضحك زيعور «شاكراً» الدولة على حملتها التي «عملتلنا موسم»، مشيراً إلى أن اليوم الجمعة (اليوم)، هو موعد وصول «وَسْقة» جديدة من مطافئ الحريق المخصصة للسيارات إلى لبنان. فمنذ الاثنين الماضي، سافر عدد من التجار إلى الدول المصنعة للمطافئ، واستطاعوا تأمين كمياّت كبيرة، تصل إلى السوق اليوم. كذلك فإن خبريات تسري بين التجار بأنّ عدداً منهم، باع كميّات هائلة نسبياً من المطافئ، لم تكن في حسبانهم. ويضرب بعضهم مثالاً عن أحد تجّار منطقة برج حمّود الذي «خبط خبطة مرتبّة»، وتجاوزت عتبة مبيعاته الخمسة آلاف مطفأة.
لا يبدو حديث التجّار عن ارتفاع مبيع الأكسسوارات، وخصوصاً مطافئ الحريق مستغرباً، وخصوصاً عند سماع شهادات الذين تعرضت سياراتهم لتفتيش القوى الأمنية. محمد هاشم هو أحدهم، اضطر إلى شراء المطفأة بعدما نبهّه مسؤول الحاجز الذي أوقفه، إلى ضرورة وجودها في السيارة، فدفع «ثلاثين ألف ليرة، أحسن ما آكل ضبط». وبحسب أحد الشرطيين المشاركين في الحملة، فقد كان واضحاً أنّ «المواطنين تنبّهوا للعديد من المسائل، إلا مطفأة الحريق».
وعلى عكس المطافئ، لم تشهد حركة بيع أحزمة الأمان ارتفاعاً. إذ يشير زيعور إلى أنّ السيارات مجهّزة بأحزمة لا يستعملها المواطنون إلا فيما ندر. ما يبقيها «سليمةً تلبّي عند الضرورة»، كما هي الحال الآن بسبب «كبسة» وزارة الداخلية. لكن، على عكس السير، يدخل أحد الزبائن إلى المحل طالباً تمويه زجاج سيارته بـ«الفوميه». لا تهمه حملة السير فـ«أكتر شي بيخزقولي الفيميه»؟ ينطلق زيعور ممّا قاله الزبون ليلفت نظرنا إلى أنّ عمليات تمويه زجاج السيارات (وهي ممنوعة بالقانون إلا في حالات جد استثنائية) بدورها لم تشهد انخفاضاً، علماً أنّ العكس مفترض «أوقات الحواجز».
تتغيّر الصورة جزئياً في الشوارع المحيطة بمركز المعاينة الميكانيكية. يشير مدير محالّ «الشرقاوي» في الكفاءات، إلى ارتفاع في حركة البيع «أيّام المعاينة»، مؤكداً أنّ الحملات التي تقوم بها الدولة، تدفع الزبائن إلى شراء ما يصلح عيوب سياراتهم، الأمر الذي تنامى بشكل مدهش هذه المرّة، وخصوصاً مع بداية حملة فرض القانون.
مطفأة الحريق أيضاً هي الأكثر مبيعاً هنا. ويزيد «شرقاوي» أحزمة الأمان، والمثلّثات الحمراء التي تستعمل حين تتعطّل السيارة. يشير التاجر إلى أنّ حركة البيع عموماً معرّضة للاهتزاز دائماً، على رغم ارتفاع وتيرتها حالياً. ويردّ الأمر إلى سببين: ضعف الدولة في فرض القانون، والمحالّ الملاصقة للميكانيك «تلعب على وتر حاجة الزبائن الآتين من مختلف المناطق. ويتحدث بعض التجّار (رفضوا الكشف عن أسمائهم) عن أن بعض المحالّ تؤجّر أو تقوم بإعارة زبائنها، أطقم دواليب أو أحزمة أمانٍ تتيح لسياراتهم عبور اختبار المعاينة بنجاح، الأمر الذي يحرم محالّ أكسسوار السيارات حقّها في بيع هذه المستلزمات.
ما زال تعامُل غالبية المواطنين مع الحملات التي تأخذ الطابع القانوني، مشوباً بنظرة تسعى إلى تدوير الزوايا. فمع أن الحملة «ضاينت»، أي أنها لم تنته بعد فعلياً بعد خمسة أيام من بدايتها، إلا أن الناس ما زالوا يبتسمون بأطراف أفواههم وهم يراهنون على «العوجا الماصلة» أي البلد الراكب غلط منذ عقود وعقود، الذي لن ينفع معه، وهنا معهم حق ربما، مجرد «تشدّد في تطبيق قانون كل البنية التحتية للبلاد أصبحت ضده بسبب الفوضى. أما بالنسبة إلى البقية، فهم إما يراهنون على التهرب من تسديد الغرامة أو أنّ «الدنيا رمضان» أو «استحو من شيبتي»، وبين من يعوّل على الفساد الموجود في مركز المعاينة، أو بين صفوف أبناء المؤسسات الأمنية. السياسة بدورها لا تغيب عن المخالفات، ففي بيروت «قوى الأمن إلنا»، وفي الضاحية الجنوبية «ما بيسترجو يعملو حاجز»، علماً أنّ مصادر أكدّت أنّ حزب اللّه وحركة أمل قد رفعا الغطاء السياسي عن أيّ مخالف.