يتوجه الأهالي في البقاع إلى تقليص حجم مؤونتهم الشتوية كي يتمكنوا من شراء المستلزمات المدرسية، فيما يعمد بعضهم إلى شراء الكتب بالدَّين
البقاع ـ رامح حمية
«يعني طلعنا يا بابا بلا ثياب»، يقول علي الدروبي بعدما سمع صاحبة المكتبة تُطلع والده على فاتورة الكتب وقيمتها 471 ألف ليرة. لم يدرك ابن التسع سنوات حينها أنه سيسبب إحراجاً لوالده، الذي بادر لإسكاته بالقول: «لا يا بابا منشتري تياب، ويلي بدك ياه، المهم تدرس وتنجح».
لا تفارق مظاهر القلق وجوه الأهالي في البقاع، وخصوصاً أنّ المتطلبات المتراكمة تمثّل عبئاً مرهقاً يضيق عليهم أفق الحلول. فلجأت غالبية الأهالي الى إستدانة الكتب المدرسية من المكتبات، فيما أرجأت بعض العائلات وقلّص بعضها الآخر مؤونتهم الشتوية حتى الانتهاء من شهر رمضان وموسم عودة المدارس. «الأولاد والمدرسة أهم بكتير من المؤونة الشتوية»، تقول منى أمين، وهي أم لستة أولاد. وتؤكد أمين أنه على الرغم من إنقاص كمية المؤونة لهذا العام، إلا أنها لم تجد مفراً من استدانة الكتب وتقسيطها على دفعات شهرية منتظمة. وتضيف قائلة: «زوجي معاون في الجيش، وراتبه لا يكفي لتسجيل الأولاد وللمازوت ولشهر رمضان». لذا قلصت أمين كمية «الكشكات» ومكدوس الباذنجان، وأرجأت بقية المؤونة حتى الانتهاء من الكتب والثياب. وتلفت إلى أنها تسعى إلى توفير الثياب من «البالة».
بدورها، تشير أليسار الديراني إلى أنّ تقليص مقدار المؤونة الشتوية كان لا بد منه هذا العام، ويمكن إكمالها بعد «تسجيل أولادي الأربعة بالمدرسة». وتقول الديراني: «باستطاعتنا حرمان أنفسنا بعض الأمور، لكن المدرسة وتعليم الأولاد خط أحمر لا يمكن تجاوزه». وشرحت أنّ أعباء بداية فصل الشتاء كثيرة على البقاعيين ومرهقة، وخصوصاً ارتفاع أسعار الكتب، إذ «بلغت فاتورة كتب أولادي الأربعة مليون ليرة، سُجِّلت كدين في ذمتنا ندفعه أقساطاً شهرية».
أصحاب المكتبات في البقاع شاركوا الأهالي معاناتهم، فقدموا التسهيلات مثل البيع بالدين، إلى جانب توفيرهم الكتب المستعملة لقاء أرباح قليلة. ويلفت علي غصن، وهو صاحب مكتبة في شمسطار، إلى أن السماح بالدين وصلت نسبته في مكتبته إلى 70%. ويوضح أن جميع الأهالي، وقبل أن يبرزوا لوائح الكتب، يسألون إن كان الدين مسموحاً أو لا، فضلاً عن الطلب الكبير على الكتب المستعملة. ويؤكد غصن أن «الناس يخفضون كمية مؤونتهم وثياب أولادهم و غير ذلك من المتطلبات الأخرى، ويعوّلون على الزيادة التي طرأت على الرواتب التي ينتظرونها نهاية الشهر الجاري بحسب مقولة «كل شهر وفرجه معه». ويرى أن الطلب حالياً مركز على كتب المدارس الخاصة، في حين أنّه لم يطلب أي من الأهالي كتب المدرسة الرسمية، لكونهم ينتظرون ما وعدت به وزيرة التربية بهية الحريري عن مبلغ الأربعين مليون دولار لتغطية نفقات التسجيل والكتب.
من جهتها، تشير صاحبة «مكتبة الآداب»، آية كركلا، إلى أنّه لولا السماح بالدين لكانت حركة شراء الكتب متدنية جداً، إذ وصلت نسبة الدين في مكتبتها إلى 60%، مرجحة ازدياد هذه النسبة مع اقتراب فتح المدارس أبوابها. وتلفت إلى أنّ كتب اللغات الأجنبية حققت ارتفاعاً كبيراً في الأسعار لارتباطها باليورو.