توقّفت المديرية العامة للأمن العام عن منح قسائم محروقات لقضاة، بعدما كشفَت عن ذلك في كتاب أرسلته إلى محكمة التمييز الجزائية قبل عام، إلا أنها استمرت بإمداد المدعي العام التمييزي بـ400 ليتر شهرياً
حسن عليق
لم تتوقف المديرية العامة للأمن العام عن منح المدعي العام التمييزي، القاضي سعيد ميرزا، 400 ليتر من البنزين شهرياً، رغم الكشف عن هذه القضية قبل نحو عام، وتوقُّف المديرية ذاتها عن إعطاء منح مماثلة لقضاة آخرين. وقبل عام كامل، كانت كمية أقل منها كافية لـ«إقصاء» القاضي إلياس عيد عن التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فيوم 12/7/2007، تقدّم الوكيل القانوني للنائب سعد الحريري، المحامي محمد فريد مطر، بوكالته عن عدد من ذوي ضحايا الانفجار الذي أودى بحياة الرئيس رفيق الحريري (لا بوكالته عن الحريري الابن)، بدعوى أمام محكمة التمييز الجزائية طلب فيها نَقل التحقيق في الجريمة المذكورة إلى قاضٍ آخر، غير المحقق العدلي القاضي إلياس عيد. وأعاد المحامي مطر سبب طلبه إلى «الارتياب المشروع في حيادية» عيد، نتيجة حصول الأخير على قسائم محروقات من المديرية العامة للأمن العام، منذ أن كان اللواء جميل السيد مديراً عاماً لها، ولأن شقيقه طبيب متعاقد مع الأمن العام بواسطة عقد رضائي منذ الفترة ذاتها.
لكن وقائع الدعوى التي نظرت فيها محكمة التمييز الجزائية أظهرت حينذاك أن عيد لم يكن القاضي الوحيد الذي يحصل على منح محروقات من المديرية المذكورة. ويوم 27/7/2007، أرسلت المديرية العامة للأمن العام كتاباً إلى محكمة التمييز عبر وزارة الداخلية أوردت فيه أن القاضي عيد كان يستفيد من منح البنزين، بمعدل 300 ليتر شهرياً، ابتداءً من عام 2003. وأضاف الكتاب أن أكثر من سبعة قضاة استفادوا من منح المحروقات، على مدى الأعوام السابقة، أبرزهم المدعي العام التمييزي الحالي القاضي سعيد ميرزا (ابتداءً من حزيران 2005) والمدعي العام السابق القاضي عدنان عضوم (حتى أيار 2005) والنائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي جوزف معماري. وذكر الكتاب أن «التخصيص بالمحروقات وتوزيعها يخضعان لقرار المدير العام للأمن العام»، ويعودان لتقديره.
وبناءً على ما ذُكِر، أصدرت الغرفة السادسة في محكمة التمييز الجزائية يوم 6 أيلول 2007 قراراً بـ«رد» القاضي إلياس عيد، ونقل التحقيق في اغتيال الحريري إلى محقق آخر، عيّنه مجلس القضاء الأعلى لاحقاً، هو القاضي صقر صقر.
ويوم 13 أيلول 2007، أعلن مجلس القضاء الأعلى أنه كلّف رئيسه القاضي أنطوان خير الاتصال بوزارتي الداخلية والدفاع للاستفسار عن حصول عدد من القضاة على قسائم محروقات من أجهزة أمنية رسمية.
وعلمت «الأخبار» من مصدر أمني أن المديرية العامة للأمن العام توقفت عن تسليم قسائم محروقات للقضاة الذين وردت أسماؤهم في الكتاب المشار إليه آنفاً، إلا أنها لا تزال تزوّد المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا بـ400 ليتر من البنزين شهرياً. وذكر المصدر الأمني أن المديرية تعطي قسائم المحروقات لميرزا بسبب التعاون المتبادل بين الطرفين، في إطار العلاقة بين الضابطة العدلية والنائب العام.
من ناحية أخرى، أعاد مصدر مطلع تزويد الأمن العام لميرزا بقسائم المحروقات، لأسباب هي في الدرجة الأولى أمنية. فلميرزا أكثر من موكب لتمويه تحركاته، وتُستَخدَم قسائم الأمن العام لتعبئة خزانات وقودها.
وبإزاء ما ذُكِر، لم تتمكّن «الأخبار» من العثور على نص قانوني يجيز لقاضٍ الحصولَ على قسائم محروقات من الأمن العام، أو من أي جهة أخرى، رسمية كانت أو غير رسمية؛ لتبقى ليترات البنزين تمنَح «وفقاً لتقدير المدير العام وحده» كما أورد كتاب الأمن العام المذكور.
ولئن كان القاضي سعيد ميرزا من أكثر الأفراد المعرّضين لخطر أمني في البلاد، بصفته مدعياً عاماً عدلياً تجري بإشرافه التحقيقات في جميع القضايا المحالة على المجلس العدلي، وهي بمعظمها قضايا إرهابية لا يزال مرتكبوها أحراراً، إلا أن ذلك لا يعفي السلطات المختصة من وضع أسس مؤسسية لتغطية متطلباته الأمنية. إذ يكفي أن تكون مصاريف الإجراءات الأمنية اليومية للقضاة من ضمن موازنة وزارة العدل، أو كما جرى عندما موّل مجلس الوزراء من الخزينة العامة تركيبَ كاميرات مراقبة في محيط منزلَي القاضيين رالف رياشي وشكري صادر، بسبب دورهما في وضع مسودة النظام الأساسي للمحكمة الدولية، وما ترتب عن ذلك من أخطار أمنية على حياتهما. أما إبقاء الأمور على ما هي عليه، فيسمح لسوء الظن بأن يقع في غير محله.