رامي زريق
تلعب التجارة دوراً أساسياً في المنظومة الغذائية العالمية، فمعظم الغذاء الذي نستهلكه ينتج في بلدان بعيدة. لنأخذ مثلاً منقوشة الزعتر التي تصنع من الدقيق (المستورد من أوستراليا أو كازخستان)، وزيت الصويا (المستورد من البرازيل غالباً) وخلطة الزعتر والسماق والسمسم، والأخير مستورد من إثيوبيا أو السودان. ما يعني أننا لا ننتج من محتويات فخر مطبخنا الصّباحي إلا جزءاً بسيطاً.
هناك أسباب عديدة لهذا الواقع، منها لجوء العديد من البلدان الغنية إلى طرح سلعها الغذائية الناتجة من دعمها للزراعة المحلية في أسواق البلدان النامية: إذ إن الدعم يجعل شراءها أقل كلفة من إنتاجها محلياً. توازن بعض البلدان النامية هذا الخلل من خلال تصديرها كميات كبيرة من المنتجات الزراعية كالقهوة والكاكاو وبعض الزيوت النباتية. فيما تعجز بلدان أخرى كالبلدان العربية الجافة وشبه الجافة عن ذلك، إذ إن مواردها الطبيعية لا تتيح لها أن تنتج ما يكفيها من غذاء.
تحاول منظمة التجارة العالمية تنظيم عمليات التجارة العالمية، إلا أنها فشلت في تنظيم تجارة الغذاء. يعود هذا الفشل إلى رفض البلدان الغنية إلغاء دعمها على السلع الزراعية، وإلى تشبث بعض البلدان النامية بحقها في حماية إنتاجها المحلي وفرض الضرائب على السلع الغذائية المستوردة. كما تفرض بعض البلدان القوية والغنية، كالولايات المتحدة وبريطانيا مثلاً، اتفاقيات ثنائية على بعض الحكومات «النامية»، مستندة في ذلك إلى ضغوط سياسية. وهذا ليس بجديد، لأن هذه البلدان نفسها كانت تحمي ما ترى أنه حقها في استيراد مواد خام رخيصة من بلدان العالم النامي ثم إغراق أسواق هذه البلدان بأغذية مصنعة، مستندة في ذلك إلى ترسانتها العسكرية، في إطار ما كان يسمّى بــ«دبلوماسية البوارج الحربية».
أما اليوم، ومع ارتفاع أسعار الغذاء وشح السلع الغذائية اللذين شهدهما العالم خلال السنة المنصرمة، وفي إطار الأزمة التي لا تزال تتفاعل، لا بد من إعادة النظر بمبدأ الاتكال التام على التجارة للحصول على الغذاء بدلاً من إنتاجه محلياً.
يتفق العديد من الخبراء المعنيين بالجانب الاجتماعي كما بالجانب المالي للتنمية، على أنه لا بد للبلدان الفقيرة والنامية من إنتاج سلع غذائية موجهة للتصدير بهدف إدخال عملات صعبة تحسّن قدرتها على شراء المنتجات الغذائية الأساسية التي تفتقد إليها. كما أن هناك ضرورة لتقوية الإنتاج الغذائي المحلي المتكامل، ولدعم صغار المنتجين في ذلك.
كذلك يجب تصنيع المواد الخام محلياً، لرفع قيمتها، ولكن الأهم من كل هذا هو تجنب الاتفاقيات الثنائية المفروضة بالقوة والتي تعيد الشعوب إلى عصور الاستعمار.