البقاع ــ رامح حميـةلا مفرّ من «تهجين» المهن. هذه هي الحقيقة التي توصّل إليها بعض البقاعيين بعد طول تفكير. فلا بديل من موارد الرزق.. البديلة والمستحدثة لواقع استثنائي.
فأزمة المياه التي تتواصل فصولها منذ 3 أشهر في قرى غربي بعلبك، دفعت بعض أصحاب الجرارات الزراعية وسيارات الـ«بيك ــــ آب» لشراء صهاريج بلاستيكية أو من «التول»، والمسارعة لبيع المياه للأهالي.
يشير جعفر الطفيلي، صاحب محطة بيع محروقات، إلى أن ارتفاع أسعار المازوت قلّص الطلب على محروقاته التي كان يوزعها على المنازل. يقول «لمجرد تحريك «البيك ــــ أب» أخسر». بالمقابل، تفاقمت أزمة مياه الشفة التي تعمّ المنطقة منذ حزيران الماضي. بناءً على هذه المعطيات، قرر الطفيلي تحويل «البيك ــــ آب» من توزيع المازوت إلى توزيع مياه الشفة، التي يوفّرها لـ«المنازل بسعر 25 ألف ليرة».
إلا أن الطفيلي نسي أن يقول إن المبلغ الذي ذكره يخصّ أهالي شمسطار فقط، لأن الآبار التي تزوّد أصحاب الصهاريج موجودة فيها. أما في بلدات «طاريا» و«النبي رشادة» و«حدث بعلبك» وغيرها، فالسعر يرتفع ليصبح 30 ألفاً و50 ألف ليرة، بحسب المسافة.
أما رداً على أزمة المازوت، فقد اعتمد البعض «مهنة» تهريبه، بينما لجأ آخرون إلى اعتماد مهنة خلقتها الأزمة: تقطيع الحطب الذي استبدل المواطنون المازوت به، بحسب مقاسات «الوجاقات»، الأمر الذي أسهم في دفع أصحاب الجرارات الزراعية إلى خراطة وتصنيع «ديسكات» للتقطيع أو إلى شراء مناشير تعمل على الكهرباء أو البنزين.
يمتلك علي حسن قاسم (50 عاماً) جراراً زراعياً ظلّ يستخدمه في حراثة الأرض حتى أدرك أن «الحراثة لم تعد تطعم خبزاً»، وخاصةً أن «أجر حراثة الدونم الواحد 6000 ليرة فقط».
دفع ذلك علي إلى الاتجاه نحو خراطة وتصنيع «ديسك» لتقطيع الحطب. يشرح موقفه قائلاً: «أجر حراثة دونم الأرض لا تكفي ثمن المازوت الذي يحتاج إليه الجرار، فكيف بالزيت والدواليب التي كان سعرها العام الماضي 300$ أما اليوم فهي بـ600$؟». ويضيف: «لقد ازداد الطلب على مناشير الحطب، ووصل أجر الساعة فيها إلى 40 ألف ليرة. فلماذا لا أجري تعديلاً بسيطاً على الجرار؟».
حسن قاسم اشترى بدوره، منذ شهرين، «صحن التقطيع» وأجرى التعديلات في إحدى «المخارط» في زحلة، إذ يكفي وصل الديسك بالجرار الزراعي بواسطة ناقل للحركة حتى يتسنّى له تقطيع الحطب الأخضر واليابس، مؤكداً أنه «يتقاضى 30 ألف ليرة على ساعة التقطيع»، لافتاً إلى أن «أكثر من 15 شخصاً في المنطقة يقومون بهذا العمل». لا تقتصر المهن المهجّنة على هذه الحالات. فهناك من لجأ أيضاً، في ظل غياب الكهرباء وندرة وجود محلات لبيع البوظة في موسم الصيف الحار، إلى توقيف «الـﭭـان» الصغير، الذي يملكه، عن خدمة نقل الركاب، وشراء ثلاجة صغيرة وبعضاً من أنواع البوظة العربية، ليجول بها على المنازل وبين الأزقة نهاراً، ومحال التسلية كالبلياردو ليلاً.


من بيع الخضر إلى المياه

أجرى البعض تغييرات بسيطة على مهنته لتتواءم مع متطلبات الواقع، إلا أن أبو أحمد، الذي يمتلك «بيك ــــ آب» لبيع الخضر في القرى، أجرى تعديلاً كبيراً. فقد سارع إلى شراء خزان مياه بلاستيكي بسعر 220 دولاراً، «وطلمبة مستعملة لضخ المياه ثمنها 150دولاراً». فتجارة الخضر «باتت غير مربحة بسبب كثرة محال الخضر، وهي لا تجلب سوى عذاب القلب وكثرة المصروف». يعبّر أبو أحمد عن سعادته بمهنته الجديدة، وبأرباحها التي ردّت له «رأس المال بسرعة»، مضيفاً: «هناك بعض التعب والإرهاق، ولكنّ متطلباتها الحياة كثيرة، وبدنا نعيش».