محمود نديم وهبيممّا لا شكّ فيه أن الدعم الأميركي والغربي يُعدّ القوت الذي تتغذّى منه قِوى 14 آذار لتبقى على قيد الحياة في الخريطة السياسية اللبنانية، إلى جانب المجاملات والتبريكات والتوجيهات التي كانت منذ نشوء الحركة الآذارية سرّ البقاء والديمومة. ولكن... ماذا بعد؟ بادئ الأمر كان جورج بوش بنفسه يهتمّ بقضايا الآذاريين، ثمّ أوكل المهمّة لرايس، ومرّت بولش، إلى أن وصلتْ اليوم لمجهول الهوية، هيل. فما تفسير هذا التدحرج في التمثيل غير سوء الاهتمام والاعتراف الأميركي بأنّ 14 آذار ورقة خاسرة؟ أولاً، دليل على صدق هذا التفسير، تحرّكات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الأخيرة، السياسي الأذكى في الوطن والأدرى بمرحليّات السياسة وتطوّراتها وصاحب النظرة الأمثل نحو كيفية البقاء قويّاً على الساحة حتّى ولو كلّفه هذا تغييراً شاملاً في المبادئ، فهو رجل المرحلة. جنبلاط كان في ما مضى أكثر الآذاريين تعصباً، إلا أنّه اليوم، وعبر تحرّكاته، كأن به يعلن سحب عضويته من الفريق من خلال إبراز التخبطات الداخلية والاعتراف ببعض نقاط الضعف والسوء عند حلفائه ومجاملته للمقاومة كلمةً وسلاحاً. ثانياً، قراءة التطورات التي تتسارع في بقاع الكوكب الحي برهنتْ أن التنين الأميركي بدأ ينزف بشدّة، والجراح سيطرتْ على كلّ أعضاء جسده، إلى أن بات الطبيب الماهر يبحث اليوم عن طبيب يداويه، والساهر على العالم للسيطرة عليه يفتّش عن أنيس يسامر سهره بكلام حسن ينسيه أسى الواقع الذي يعيش فيه.
وفي ظلّ هذه التخبطّات وانعكاسها على الوضع في لبنان، ومع فشل قوى 14 آذار بالقضاء على حزب الله والحركات المعادية للبيت الأبيض، يقف الأميركي حائراً، ظهره للآذاريين، يرمقهم بطرف عينه بنظرات عتب، يربطه بهم خيطٌ وهين ولا يفكّر في قطعه، فلربّما لا يزال الأميركيون يعقدون بعضاً من الأمل على قِوى 14 آذار، إلا أنهم لا محال وفي أعماقهم يعلمون أنّ الخيط والأمل قد انقطعا، وإلى غير رجعة.