بدأت الأسبوع الماضي ورشة ضخمة لتأهيل وتوسيع وتحديث مرفأ وميناء الصيادين في بلدة الناقورة الحدودية اللبنانية، بتكليف وتمويل من قيادة «اليونيفيل» أو قوات الطوارئ الدولية. المشروع دخل حيّز التنفيذ بعد موافقة وزارة الأشغال العامة على السماح لليونيفيل باستخدام المرفأ الذي كان يستخدمه صيادو المنطقة. لكن أهالي الناقورة يتخوّفون من «عسكرة» في منطقتهم لا يطالهم من خيرها إلا غبار الورش
الناقورة ــ آمال خليل
لا شك أن وزارة الأشغال العامة قد اقتنعت بدوافع «قوات الطوارئ» لإعادة تأهيل المرفأ القديم والصغير. فمنذ تعزيز القوات المتعددة الجنسيات عتاداً وعديداً بعد عدوان تموز 2006، برزت الحاجة لدى القيادة لاستغلال واستخدام المرفأ المهمل والصّدئ، الواقع قبالة مقرّها العام على بعد أقل من كيلومترين جنوباً، والذي كان صيته قد ذاع قبل التحرير كمنفذ للتهريب بكل أنواعه، من عمليات يديرها العملاء والمحتلون جنباً إلى جنب. فعشرات البوارج الحربية والسفن التابعة لقيادة البحرية فيها، فضلاً عن الوفود الدولية التي تأتي أحياناً بحراً ، كانت تصل إلى المقر على «مراحل» لانخفاض نسبة المياه على الشاطئ الصخري المحاذي له، ما يجبرها على التوقف في عرض البحر ثم الوصول عبر قوارب إلى الشاطئ الضحل المياه والصخري.
ويتوقع أن تنجز بعد ستة أشهر من الآن، بحسب العقد الموقّع بين المتعهد و«اليونيفيل»، أعمال الصيانة والتوسيع، ويصبح رصيف المرفأ وحوضه ومستودعاته جاهزة لاستخدام «متعدد الجنسيات» بالتنسيق مع الجيش اللبناني الذي سيبقي على نقطته الثابتة عند مدخل المرفأ.
وفيما يحظى ميناء الصيادين نفسه بحصة من خير التجديد، فإن الصيادين أنفسهم يحرمون من خير البحر كله بانتقال الميناء إلى «عهدة» اليونيفيل. وذلك بسبب الإجراءات الأمنية واللوجستية التي ستفرض على خروجهم إلى البحر. وإذ يتشكّك الصيادون العشرون، بالسماح لهم باستخدامه وقتذاك، يتخوف نقيب الصيادين في منطقة صور خليل طه بأنهم وسواهم من الصيادين الذين يسترزقون من بحر الناقورة «سيخضعون لتضييق أكبر من الممارس حالياً لناحية تحديد حدود مساحة صيدهم في البحر ابتداءً من مسافة كيلومترين عن الشاطئ، فضلاً عن التفتيش المستمر ولزوم نيل التصاريح»، علماً بأن المساحة التي حددت للصيد بما يعني «الغميق»، «لا تقوى العدّة المتواضعة التي نملكها على الصيد فيها، وخصوصاً أن الغلة السمكية الثمينة تتوفر في التقاطعات الصخرية التي تقع ضمن الأسوار الشائكة» القريبة من الشاطئ.
إن ضم المرفأ إلى «أملاك» اليونيفيل ، وموقعه داخل المربع الأمني الذي سينشأ حوله، يحرم الناقورة نهائياً من واجهتها البحرية القابلة للاستخدام، إن كان ذلك لأغراض السباحة أو السياحة أو الصيد بالصنارة.
ويأتي تأهيل المرفأ بعد ستة أشهر من بدء قيادة «اليونيفيل» أعمال الإنشاء لمطار تطلق عليه تسمية «نيو لاند» أو الأرض الجديدة، التي تمتد فوق تلال الناقورة بمساحة تبلغ 1300 دونم. وعلى غرار المرفأ، كلّفت القيادة شركة إيطالية إنجاز المطار الذي تتوقع له تكلفة ما بين 14 إلى 20 مليون دولار مرجّحة للزيادة، لكون هذه التقديرات كانت قبل البدء بالمشروع. أما الشركة الإيطالية فهي تعتمد في التنفيذ على شركات تابعة لعدد من المتعهدين اللبنانيين، بتكلفة لم تحددها مصادر في اليونيفيل سوى أنها بعشرات ملايين الدولارات. والعقار الذي استأجرته اليونيفيل من مصرف لبنان يقع جنوب غرب مقر قيادتها في المنطقة العسكرية المقفلة أمام المدنيين منذ تطبيق القرار 1701. وبحسب ما أنجز إلى الآن وحتى عام كامل، فإن «نيو لاند» لن تضم مهبطاً ومنصات لتسع مروحيات فحسب، بل مخازن وكاراجات ومستودعات للآليات وثكنة عسكرية وسكناً للجنود والموظفين العاملين في المقر.

حصة الناقورة

القاسم المشترك بين المشروعين الواقعين أول الناقورة وآخرها أن كل ما تجنيه البلدة وأهلها منهما هو مزيد من الضجة والزحمة والغبار، يضاف إلى «عسكرة» الجو والبحر والبر. ويؤكد المختار موسى طاهر، أن ما تحصل عليه البلدة من خيرات اليونيفيل «صيت عالفاضي». فالقيادة، بحسب المختار «لم تستعن بجيرانها الناقوريين من عمال وأصحاب مهن ومؤسسات صناعية وتجارية للمساهمة في بناء المرفأ والمطار وتجهيزهما». ويشير طاهر إلى أن «وحدات اليونيفيل الثلاث والعشرين، التي تتردد يومياً إلى المقر، إلى جانب الوحدات الإيطالية والبرتغالية والفرنسية المتمركزة في المنطقة، لم تنجز مجتمعة سوى مشروعين فيها: حديقة عامة وملعب رياضي صغيران». الانطباع العام لدى الأهالي، وخصوصاً بعد ثنيهم عن المشروعين، بأن «ما أعطته بلدتهم لليونيفيل منذ 30 عاماً من أرضها وخدمتها ودعمها، أكثر بكثير مما حصلت عليه». إذ يعمل بينهم حالياً في مقر القيادة 14 شخصاً من أصل 500 موظف (4 إداريين و10 عمال)، علماً بأن قوات الطوارئ منذ مجيئها غيّرت في نظام عيش الأهالي لمّا حلّ مقرها مكان سهول الخضر، إلى أن اختفى تدريجاً القطاع الزراعي فيها واستدعت الحاجة إما اللحاق بركب القوات أو الهجرة. وأعلن المختار وعوداً مستمرة مؤجّلة تقطعها القيادة بإرضاء مضيفيهم والنظر في منحهم كوتا في الوظائف «تحسباً من ردة فعل سلبية للتمييز اللاحق بهم». في المقابل، لا يعترف المعنيون بالتوظيف والموارد البشرية داخل القيادة بالتمييز تجاه جيرانهم في الناقورة أو سواهم من اللبنانيين، إذ يتم التوظيف «وفق شروط مهنية بحتة» كما يقولون.