خرجت حنّة على المسرح وتمترست بين نصري وأبي صالح، قالت ما عندها من كلام: «يا بو صالح أنا جايي لحالي/ تقول الحكي بصوت عالي، خالي وإنت شغلتكم غميقة/ كل ما بتسهروا بيحصل قتالة، حسبكم متل فرسان... عبالي نفّذ الطالع على بالي/ يا بو صالح أنا جايي تصالح/ وبدي بوّسك إنت وخالي».
رغم «الشغلة الغميقة» وسلسلة الردّات المجحفة التي أطلقها كل من نصري وأبو صالح أحدهما بحق الآخر، نجحت حنّة بـ«ردّة» واحدة في إتمام المصالحة بينهما، فاشتعل المواطنون الموجودون على المسرح: «أهلا بحنّة وبالمواعيد/ قعدي تنغنّي الفجر بعيد...». فنسي المتصارعون الخلاف على «جوريّة» التي هربت مع سعد الفرّان وطلامي التنّور ، كما نسيا أزمة الغناء الناجمة عن وجود ابنة أخت نصري، أي حنّة نفسها، ويقابلها ابنا أخ أبو صالح... انتهت الأزمة وتباوس الشيخان وخرج أهالي الضيعة يغنّون ويفرحون حتى الفجر.
حصلت هذه المصالحة في عام 1973 على مسرح قلعة بعلبك خلال عرض مسرحية «قصيدة حبّ» للأخوين رحباني.
مرّ الزمن، شاخت حنّة وبات صوتها عاجزاً عن القيام بالواجب التصالحي، لكن روحها لا تزال تطوف على امتداد الأراضي اللبنانية بين حين وآخر. فحضرت في الشمال والجبل هذا العام كما كانت قد فعلت في أنطلياس عام 1992. وهذه الروح تطرق اليوم باب العاصمة «الجريحة» علّها تُدخل إليها الوفاق والوئام فيخرج أبناؤها قريباً ليحتفلوا جميعاً بعيد الفطر السعيد. كم هي جميلة هذه الروح وكم هي مسالمة!
اليوم، فيما ينعم نصري وأبو صالح، بنسختيهما الجديدتين، بالسعادة، يبدو أنّ سعد الفرّان لا يزال يعاني من «جوريةّ» كما كان عام 1973 بحيث إنّه «لا تجوّزتوا ولا تعتّرتوا واللي عِلق سعد الفرّان». لكن ها هي حنّة قادمة لتريحه وتعيد الهدوء إلى حياته، وستصل في غضون ساعات. فيبدو أنّ التاريخ يعيد نفسه، وأنّ تاريخنا محكوم بوجود حنّة التي تصالح وتباوس الجميع، ونتساءل عن سبب الحاجة المستمرة إليها.
إنه شاهين الشهير عبر عبارة «... حنّة وهرب الشاهين». وعند هروب شاهين يسقط كل ما فعلته حنّة.

نادر...