حلا ماضيأمٌّ، فتاة معذبة، قائدة، مدربة، سيدة، صديقة، أخت، منافسة... بين كل تلك الأدوار الموكلة إلى المرأة لتؤديها مع الجماعة والعائلة والمجتمع، لم يبق دور لم يُختبر في العلاقة بين الشقيقات، تلك العلاقة المغمسة بكلمات الإصغاء، ومعرفة الغير، حيث تكتشف الفتيات «كنز الأنوثة» بكل وجوهها. وغالباً ما يكون ذلك الاكتشاف بعد منافسة قوية، إذ ينبغي للأخت معرفة أن أختها ليست ملكاً لها، فكل الفتيات اللواتي لهن أخوات يعرفن أن الأمور في الحياة لا تُعطى، بل عليهن «خوض معركة» لنيلها والحصول عليها. فخلال رحلة البحث في الذات، وكيفية إظهار الأنوثة، تكون الشقيقة شريكة ومنافسة في وقت واحد.
ما تقدم هو عرض لتحليل أجرته أستاذة علم النفس في جامعة «Parisـــــ3»، الباحثة في أمور وقضايا تربوية ونفسية لدى المراهقين، ماريز فايان، وقد انطلقت في تحليلها من اعتبار العلاقة بين الشقيقات تبدأ من المنافسة والغيرة.
«الحرب» تحدث بين الشقيقات، فيتجاهل بعضهن بعضاً علناً، أو يحسدن بعضهن بصمت. وبينهن المشاعر والأحاسيس مركبة أيضاً، لذلك ترى فايان أن هذه العلاقة مختبر حقيقي «للأنوثة»، مشيرة إلى أن العلاقة بين الشقيقات تبدأ بالغيرة، «غيرة أوديب»، أي رغبة الاستحواذ على حب الوالد. وهذه الغيرة تدفع إلى المنافسة الحامية، وكل فتاة «تحارب» متسلحة بدموعها لتكون محبوبة، مفضلة.
وترى فايان أن هذه الغيرة طبيعية، وأنها مركبة ومهمة إلى لحظة تصبح فيها السيطرة على العدائية غير مضبوطة من الأهل، وهذا غالباً ما يحدث، وهي ستنفجر لاحقاً، سواء كان ذلك واضحاً أو مستتراً، فاللاوعي يختزن كل التجارب والأحاسيس، ومنها الغيرة، والعدائية، والحسد. وإن تأجل ذلك «الانفجار» فإنه سيحصل حتماً، وفي حالة الركون والصمت يُعَبَّر عنه بطرق عديدة.
أما عن دور الأهل في تغذية تلك «الغيرة»، فتشير الكاتبة إلى أن تلك الرغبة عند الأهل موجودة، فيقوم كل طرف بالتمسك بأحد الأولاد، ربما لأنه يجد نفسه من خلاله، أو يحمّله مسؤولية تحقيق رغباته التي عجز هو (أي الأب أو الأم) عن تحقيقها. وفي أحيان كثيرة يتكيّف الأولاد في مطلع شبابهم مع الأدوار التي يكتبها لهم الأهل. وعلى سبيل المثال فإن الفتاة التي «يفضلها» الأب ستكون أكثر ثقافة، وتتذوق طعم الحرية وتتمتع بالذكاء، ولكنها لن تبذل جهداً في ما يتعلق بالإغراء الأنثوي، في حين أن الفتاة «المختارة» من الأم سيتعزز لديها شعور الأنوثة والغيرة أكثر من العمل على تأكيد الذات أو المعرفة، فنرى «حروباً» ستتطور لاحقاً بين الشقيقتين انطلاقاً من هذين الوضعين.
قلنا إذاً إن العلاقة بين الشقيقات هي مختبر الأنوثة لكل منهن، وهي مختبر لعلاقات الفتاة بالنساء الأخريات، ورغم تلك «المعارك»، فإنه ليس من المستحيل أن تطور الأنثى علاقة مصالحة مع أنوثتها ومع الأخريات. ولكن فايان تؤكد أن الأنثى إن لم تتمكن من حل عقدة أوديب، فإنها لن تتمكن من حل مشكلة علاقاتها مع النساء الأخريات، فهي ستنظر دائماً إلى النساء على أنهن منافسات، وستنظر إلى الرجال على أنهم أهداف، وعليها إغواؤهم.
وتقول فايان إنه كي تكون الفتاة صديقة لشقيقتها، عليها أن تكون أولاً صديقة نفسها، وهو ما يكون عبر العمل على حل المشاكل التي نختزنها منذ الطفولة، والتي لا تحل غالباً إلاّ من خلال الخضوع لجلسات العلاج النفسي.