فداء عيتانيلا يكاد يبقى الكثير من المواطنين المسيحيّين في هذه البلاد. فبعد تحوّل السنّة في لبنان إلى طائفة عام 2005، وخروج المارد الشيعي من القمقم في الثمانينات، وفشل كل أشكال دولة الموارنة، لم يعد الوزن الماروني والمسيحي يمثّل كبيرَ فارق، مع إصرار وحرص على «عدم جرح شعور» المسيحيين بإعلان هذه الحقيقة المرة.
يتحدث السياسيون المسيحيّون عن خلافات بين بعضهم بعضاً، وعن خلافات وصراعات مع المكوّنات الطائفية الأخرى، إلا أن وزن التأثير المسيحي في هذه الصراعات افتراضي. فقد تآكلت الطوائف المسيحية بفعل الزمن والعدد والصراعات والفقر وتنامي القوى الأخرى، والضربات التي تعرّضت لها من سوريا حين حكمت الأخيرة لبنان، وخاصة بسبب حبّها لقادتها الذين يقودونها نحو الانتحار (جزى الله وليد جنبلاط خيراً على هذا التوصيف)،
فأصبح كل صراع مسيحي مسيحي، أو مسيحي في مواجهة أيّة فئة أخرى، هو إما صراعاً بالنيابة، تخوضه مجموعات مسيحية ضد أخرى لمصالح غيرها من القوى، وإمّا تناهُشاً مسيحيّاً على مكاسب افتراضية. ولم يحتج رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري إلى القوات اللبنانية ولا التيار الوطني الحر ولا فارس سعيد أو حزب الكتائب اللبنانية ليكتسح الانتخابات النيابية، بل مثّل المسيحيين بمن اختارهم هو، وقطعاً هو وحده، لا الوصاية السورية، حيث لم يرحل عن الودائع السورية لدى رفيق الحريري إلا نائبان من السنّة.
ورغم فقدان الموقع والدور، فإن القوى المسيحية لا تكف عن محاولة التذكير بالتاريخ، متخيّلة أن بإمكانها استعادته، فاقدة القدرة على الاعتراف بأن البلاد تتطوّر باتجاهات لم تعد تلحظ هامشية التمثيل المسيحي. وبدل أن تتجه القوى المسيحية إلى الخطوة الطبيعية لأقليّة متعلّمة تمتلك بعض الإرث، وتدفع النظام السياسي في البلاد خطوة إلى الأمام نحو العلمنة، والسماح لكل كفاءة بإثبات نفسها والحصول على فرصتها، تنكص القوى المسيحية نحو الماضي، وتطالب بحصص ثابتة للطوائف، علّها بذلك تحافظ على ما كان لها من ماضٍ.
حتى التيار الوطني الحر الذي طالب بالعلمنة، تخلّى عنها بوهم التمثيل المسيحي، وهو من كان بإمكانه تكوين تمثيل وطني إصلاحي واسع. أمّا عن سمير جعجع، فحدِّث ولا حرج.