أمل عبد اللهبعد أكثر من عشرين سنة تمكن العلماء في معهد «ماكس بلانكس» الألماني للبيولوجيا العصبية من الإجابة عن سؤال متعلق بعمل الخلايا الدفاعية في جسم الإنسان. يواجه الجسم البشري على الدوام مخاطر جسيمة ناتجة من الأجسام الغريبة التي تهاجمه، كالفيروسات والخلايا السرطانية التي تنشأ بداخله. وفي مقابل هذه المخاطر يعمل جهاز المناعة دون انقطاع على تخليص الجسم من هذه الأجسام الغريبة والخلايا المريضة. بالنسبة إلى الخلايا الدفاعية الموكلة التخلص من الخلايا المصابة أو السرطانية التي تضم خلايا «ت» اللمفاوية، فهي تتبع تكتيكاً قتالياً فعّالاً. تعمد هذه الخلايا إلى بث جزيئات قاتلة تدعى «granzymes» في مواجهة الخلايا المصابة. تخترق الـ granzymes الخلايا المصابة، وتشغّل جهاز التدمير الذاتي الذي تحتويه هذه الخلايا، فيجري التخلص منها بسرعة وفعالية. أما عن السؤال الذي أُجيب عنه فهو يتعلق بالطريقة التي تتسلل بها الغرانزيمات إلى داخل الخلايا المصابة. فالمعروف أن هنالك طريقتين. الأولى وهي عبر مادة تدعى «بيرفورن» تفرزها خلايا «ت» وتحدث ثقوباً في غشاء الخلايا المصابة، تنفذ من خلاله الغرانزيمات إلى الداخل. والثانية تقوم على التحام الغرانزيمات بغشاء الخلية المصابة ثم اختراقها له. وقد كانت كفّة الطريقة الثانية هي الراجحة عند العلماء، كون الثقوب التي يحدثها «البيرفورن» صغيرة ومؤقتة إلى أن أثبتت التجارب التي أجريت في معهد «ماكس بلانكس» العكس. حصل ذلك باستخدام غرانزيمات اصطناعية عاجزة عن الالتحام بغشاء الخلايا المصابة. وأظهرت التجارب أن الغرانزيمات تعتمد على الثقوب التي يحدثها البيرفورن لإتمام مهمتها.
وشددت فلوريان كورشاس المشاركة في إعداد الدراسة والتجارب المخبرية بشأنها، أن ما توصلت إليه مع زملائها «يفتح إمكان استخدام هذه المعلومات لتطوير علاج الأمراض الفيروسية والسرطانية»، رغم أن إعطاء كميات كبيرة من الغرانزيمات الاصطناعية قد يضر إلى حدّ ما بالخلايا الصحيحة في الجسم، إلا أن هذه الجزيئات تحتاج إلى أمر عمليات من خلايا «ت» المتمثل بإحداث ثقوب في الخلايا المريضة، حينها فقط يمكنها القيام بمهمتها التدميرية.