جودي الأسمربادرة جميلة طبعاً، أن تقيم جمعية نهار الشباب «هايد بارك» تحت عنوان: «ماذا ينتظر شباب لبنان من النواب؟» أمام المجلس النيابي، عبر بث مباشر على المؤسسة اللبنانية للإرسال، وبإدارة الإعلامي وليد عبود، في وقت يتطلع فيه اللبنانيون، والشباب ضمناً، إلى أن تكون طاولة الحوار خشبة الخلاص للوطن والمواطن. لحسن الحظ كانت المشاركة الشبابية مفتوحة لجميع المناطق اللبنانية، فألّفنا وفداً ضمّ ثلاثة ممثلين عن جمعية «شباب البلد»، وقد كنت مندوبة «برلمان شباب الفيحاء» للمشاركة في هذا اللقاء، بعدما أكدنا مشاركتنا اسميّاً لماريو غريّب كما نصت الدعوة.
انطلقنا من طرابلس ظهراً ووصلنا إلى ساحة النجمة، حيث كانت تحتشد مجموعة من الشبيبة على الكراسي، فأخذنا أمكنتنا. وكان عدد من المندوبات يجلن على الحاضرين لأخذ أسمائهم، وقد غاب عنهنّ الأخذ بعين الاعتبار التوازن المناطقي أو حتى التنسيق لجهة المنظمات والهيئات الشبابية الممثلة، فاكتفين بالاسم فقط. أراد المنظمون اتباع التسلسل الرقمي للمشاركين الذين ينادى عليهم مع كل فاصل إعلاني، فكان ترتيبي الواحد والأربعين من أصل حوالى ستين مشاركاً.
سمعت وشاهدت بعض المداخلات القيمة والمطالب المحقة، كاللامركزية الإدارية (وإن تكررت أكثر من مرة)، استفحال الطائفية والمناطقية، الفساد الإداري، خفض سن الاقتراع والكوتا النسائية، وملف إنماء الجامعة اللبنانية وغيرها. لكنها للأسف لم تمثل أكثر من 20% من أصوات المتحدثين.
فقد ظننتني للحظة من اللحظات في «هايد بارك بشير الجميّل»، يستعيد ذكراه بعض الكوادر المعلّبة في حزب الكتائب، الذين غالوا في تضييق فحوى خطابهم على أساس حزبيّ لم يخلُ من التعصب، وبتّ جاهلة حتى الآن، ماذا يطلب هؤلاء الكتائبيون من الدولة اللبنانية؟
وضع لم يدم طويلاً، بعدما استبدل بعنتريّة خمسة متأنقين من وزراء «حكومة الظل» الذين أسالهم عن أي بصيص نور يمكن أن يرشدنا إلى منجزاتهم الفاعلة، باستثناء شغفهم بالظهور الإعلامي. فوجئنا بهم، كمّاً ونوعاً، يكرّرون موضوعات طرحت، أو يكرّسون وعيهم السياسي المزعوم بدروس أملوها علينا عن حب الوطن وإرادة الشباب! وقد اكتمل المشهد المركّب مع دخول مندوبين من «نهار الشباب» على الخط.
وبينما أسرت إحدى المنظمات الميكرو لثلاثة من ممثليها، لم يتورّع أحد المشاركين عن مطالبة وزيرة التربية بضرورة تعميم الثقافة الجنسية على المدارس كخطوة تربوية ملحة، لأن الشباب اللبناني يعاني الكبت والحرمان، وهذه أبرز أزمات المواطن المسحوق!
هذا غير الرسائل السياسية المفخخة التي أخذ النواب الحاضرون يتراشقونها بين موال ومعارض، مؤثرين العودة إلى منطق الاصطفاف السياسي في خطاباتهم، بعدما ملّوا الشعر والإنشاء والحشو والأحلام «الدونكيشوتية» التي سمعوها على لسان بعض الشباب المشارك.
سألت عن دوري فقيل لي إن التنظيم قد اخترق، والمشاركات أصبحت عشوائية. شدّدت على المخرج أن أشارك، لأنني آتية من طرابلس، فقال لي إن الوقت قد انتهى. فما كان مني خلال الفاصل إلّا أن صعدت إلى المسرح أطلب من وليد عبّود أن يلحق اسمي بالمشاركين لأنّني أمثل برلمان شباب الفيحاء، لكن الأمر قد استحال عليه وتجاهله المعنيون بعدما نهرتني إحداهنّ لأن موعد البث قد حان.
أيها «النهاريون الشباب»، لا جدوى لكم في إقامة لقائكم المقبل في طرابلس، لأنّنا نعلم كيف تنظرون إلى طرابلس وشباب طرابلس بأفكاركم المسبقة نحوهم المتجنية عليهم. نحن لسنا من أبناء صفوف السياسة الأمامية لتقدّموا لنا الحلقات التلفزيونية المفخخة والمداخلات الفارغة على طبق من ذهب، وهنا أسأل نائلة ابنة جبران تويني عمّا إذا كان نهجها يتوافق وسياسة القمع لشريحة من الشعب اللبناني أتت بحماسة من طرابس وهي تظن أنها ستجد لها إطلالة من هذا المنبر الشبابي؟
طرابلس التي تعطي دروساً في المواطنية بصمت ونبل، بدم شهدائها الشباب في نهر البارد الذين حاربوا التطرف والإرهاب. تلك المدينة الشاهدة على إرادة التعايش والتسامح بين أبنائها، بعدما استغلوا في أحداث مفبركة ليست إلا حرب الفقراء والمعوزين الذين يتطلّعون إلى الحد الأدنى من القوت اليومي، وأتت وثيقة المصالحة لتدحض كل مذمّة مسّت شبابها المظلومين.
ها أنتم ترفضون إشهار الوجه الحضاري لهذه المدينة، أو الإضاءة على الرؤية الناضجة التي يؤمن بها شبابها ويتأهبون لتبيانها في كل مناسبة توافرت فيها شروط الاحترام والكرامة الإنسانية التي نستأهلها أسوة بكل مواطن ولاؤه الأول والأخير هو للبنان.
نحن الذين نحظى بكل تكريم وتقدير في اللقاءات والمحافل الدولية في أوروبا والشرق الأوسط لكفاءتنا وجديتنا في التعاطي مع كل قضايا الشباب، نأسف لأسلوب «ابن بلدنا» في التعاطي معنا، وقد كنا نظن أنه سيكون أول الداعمين لإطلالتنا.
لقد تنكر «النهاريون الشباب» لمنطق قبول الآخر، مكرّسين التعصب السياسي والمناطقي والفئوي إلى أبعد الحدود. أرادوا أن يعكسوا نماذج عن لبنان وشبابه كما يريدونه هم، عبر «ديموقراتورية» دقّت نواقيس الخطر على مبدأ موضوعية الإعلام. فكان «هايد» قامعاً لمعظم شباب لبنان ومن المناطق خاصة، و«بارك» احتكره شباب النهار وما يُسمى حكومة الظلّ التوينية.
ترى، هل يمكن لنا أن نصدّق دعوات أي «هايد بارك» بعد الآن؟