ثمّة خرق آخر للمرسوم، قد ينتج منه موت مضاعف: عمّال وعابرون، وهذا ما يحصل في غالبيّة المشروعات. يبدو الأمر واضحاً في تلك الرافعات التي تجول بين الورش وفوق رؤوس العابرين في الشوارع المزدحمة بالسير العادي كل النهار، وهو ما يعدّ مخالفة صريحة للقوانين. في ورشة «أسواق بيروت الجديدة» مثلاً، يبدو الخطر واضحاً من خلال تجوال «رافعات» (كراين) وضعها المهندسون على أطراف الورشة. هناك، تتنزّه أكثر من تسع «رافعات» بأحمالها، رُكّزت على أطراف منشآت أسواق بيروت، تضاف إليها حوالى ستّ أخرى في ورش مجاورة في الشارع نفسه. أمّا مسؤول السلامة العامّة في الورشة، فيتذرّع بأنّ الرافعة تمرّ فوق الطريق عندما يخلو من السيارات والمارّة، بناءً على تعليمات عامل الرافعة الواقف عند جانب الطريق، ثمّ إنّ الشارع هو شارع تجاري، غير مأهول بالسكّان (شارع بلدية بيروت)، وإن كان هناك أحد، فهم فقط الموظّفون في المكاتب والعمال». ولكن، فلنفترض جدلاً، ماذا لو سقطت الحمولة على مكاتب الموظّفين أو على تجمّعات العمّال أو إحدى السيّارات؟ وهل يجيز القانون أن تمرّ أربع رافعات من فوق مبنى مدرسة «البيزانسون» مثلاً الواقعة أسفل شارع المصارف؟ لا يبدو الأمر «محبّذاً» حسب تعبير رئيس الديوان في دائرة التنظيم المدني أحمد حمزة. فهو يشير إلى أنّ «قانون البناء يحرّم جميع الأعمال التي تضرّ بالمواطنين من دون أن يحدّدها تفصيلياً. غير أنّ التنظيم المدني لا يستطيع اتّخاذ أيّة إجراءات، لأنّ وظيفته تنحصر بإعداد مشاريع القوانين، أمّا تنفيذها، فيقع على عاتق القوى الأمنيّة أو المحافظ أو القائمقام أو البلديات». وفي الوقت الذي تتقاعس فيه هذه «السلطات التنفيذية» عن تأدية عملها، تعمل هذه الرافعات مستفيدة من «عدم تطبيق القانون»، حسب ما يقول. أما «شوارع بيروت الضيّقة فهي تضطرّ صاحب العمل إلى خرق السلامة العامة»، بحسب ما يلفت أحد المهندسين المراقبين في دائرة التنظيم!لا تعمل الرافعات فقط في وسط بيروت الذي لم تتوقف حركة الإعمار فيه. فهناك الكثير منها في شوارع مزدحمة بالناس ليلاً ونهاراً فقط لا غير، منها رافعتان مثلاً فوق الطريق المؤدية إلى فندق البريستول، وأخرى فوق مبنى السفارة السعوديّة الجديدة في رأس بيروت، وواحدة عند مفترق إحدى الطرق في منطقة رأس النبع واثنتان فوق «مجمّع سيدّ الشهداء» في الضاحية وغيرها الكثير حتى تكاد فضاءات بعض المناطق تختفي خلفها.

راجانا...