قاسم س. قاسمكانت آخر مباراة كرة سلة تلعبها مريم الحسيني ابنة الـ18 ربيعاً على ملاعب قصقص. كلّفها غياب جسر للمشاة عمرها، وهي تجتاز الشارع لشراء زجاجة ماء، لتروي عطشها. كانت النتيجة مرّة على عائلتها، فلم تعد مريم ترتاد الملاعب وعلى رغم من موتها، لم يقتنع المعنيون بضرورة إقامة جسر لرواد ملاعب قصقص.
يتحدث محمد الحسيني عمّ الفتاة عن معاناة العائلة، وكيف دفعه موت ابنة أخيه للانضمام إلى اليازا لكي «يرى نتيجة دمائها على الأرض». يشرح العم تفاصيل حادثة مريم «صدمتها سيارة كانت مسرعة، والقانون اللبناني «تعيس» سمح بخروج السائق بعد دفع سند كفالة». لم تقف مشاكل العائلة عند هذا الحد، فمطالبتهم بإنشاء جسر للمشاة لم تلقَ آذاناً صاغية، «لم نترك وسيلة إعلامية إلّا وتحدّثنا لها» يضيف محمد، «كانت تحركاتنا على صعيد بلدية بيروت، شعرنا بمشاكل بين المحافظ ورئيس البلدية فكانت المماطلة على حساب الجسر». وُعِدَت العائلة بإنشاء الجسر من جانب أحد أعضاء بلدية بيروت خلال 15 يوماً، ولكن بحسب عم الفتاة «كلّه كلام بكلام، ومجرد وعود»، وما زالت عائلة الحسيني على الرغم من مرور 4 أشهر على وفاة مريم تترقّب إنشاءه «رحمةً بالعائلات الأخرى»، وقد أمهلت العائلة بلدية بيروت شهرين لتحقيق مطالبها وإلّا فستبدأ بتحركات سلمية على الأرض.
لم تكن كل حالات الصدم مأساوية، فأم محمد حرب لا تستطيع أن تجد التفسير المناسب لبقاء ابنها على قيد الحياة. «صدمته سيارة على طريق المطار، ولكنه بقي على قيد الحياة ليخبر قصته»، لم يستعمل علي ولدها الصغير ابن الـ13 عاماً جسر المشاة لاجتياز الطريق. كان عائداً من مباراة كرة قدم هو وأصدقاؤه على طريق المطار، «اجتاز جميع أصدقائي الشارع، لكنّي كنت متردداً في اجتيازه»، يضيف علي «كنت واقفاً بالقرب من الجسر لكنّني لم أستعمله لأننا كنا مستعجلين»، يضحك ليقول «بعد اقترابي من الشارع لم أعد أذكر شيئاً». تضمّّه والدته لتشكر ربها على نجاة ولدها. على الرغم من نجاة علي إلا أنه لا يزال مقتنعاً بأنه لو اجتاز الطريق بسرعة لكان نجا «أنا خفت، كان لازم أركض».
مع بداية عهد الحكومة الجديد، وعد وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي المسؤولين في اليازا ببناء 67 جسراً للمشاة. وبحسب دراسة قامت بها مؤسسة الأبحاث العلمية (SRF)، فإن معظم جسور المشاة تشهد التزاماً باستعمالها بنسبة 60 ــ90%، في وقت يموت فيه مئات المشاة سنوياً تحت تلك الجسور مباشرة. وتبيّن للمؤسسة أنه حين جرى تركيب فاصل حديدي بالقرب من جسر المشاة في منطقة الكرنتينا يبلغ طوله حوالى 200م وبتكلفة بسيطة، أدى هذا الفاصل إلى منع المشاة من العبور تحت الجسر، وبالتالي إجبارهم على الحفاظ على سلامتهم. دفعت هذه الدراسة وارتفاع عدد القتلى الذي بلغ 300 قتيل منذ بداية العام الحالي، اليازا إلى توجيه رسالة إلى جميع البلديات التي تقام ضمن نطاقها هذه الجسور، مطالبة بتركيب فواصل حديدية تحتها من أجل زيادة فعاليتها ولإرغام المشاة على استعمالها. من هنا تمنّت اليازا على المعنيين أخذ الاقتراح بعين الاعتبار، للحفاظ على حياة المشاة وإجبارهم على عدم عبور الطريق الأقرب إلى الموت!