فادية حطيطكلما أراد طلابي أن يقدموا شاهداً على سوء النظام التربوي، يقولون المدرسة الرسمية. وأنا أصحح لهم، لماذا المدرسة الرسمية؟ هناك من المدارس الخاصة ما هو أسوأ بكثير؟ ولكن عبثاً.
المدرسة الرسمية عنوان لما هو تربوي سيئ في أذهانهم، وأعتقد أيضاً في أذهان الناس. وهذا الأمر يحيرني. ما الذي يحفر في الأذهان أكثر، الفكرة أم الانطباع أم الشاهد؟ أحدنا سيقول الشاهد لأنه الأقوى، فأنت ترى بأم العين شيئاً وتفهمه وتسجله في ذهنك فلا يبهت.
ولكن كم شاهداً سيئاً رأينا في بلدنا، كان الحري بأذهاننا أن تحفظه كأمر سيئ، فإذا بنا نألفه وبعد وقت نعجب به؟ أحد آخر سيقول الفكرة هي الأقوى أثراً (وأنا في الواقع كنت سأتفق معه) إذ إنها خلاصة لتجربة تصلك مسبوكة، مبلورة، مختصرة. ولكن مثال المدرسة الرسمية نفسه خير دليل، فلقد بيّنت بما لا يقبل الشك لطلابي فكرة تقول بأن هذه المدرسة ليست دائماً الأسوأ، ولكن لم يجد الأمر نفعاً. ماذا يبقى إذاً؟ الانطباع.
إنه خليط من ملاحظة وإحساس وتلاعب. وعند البعض يكون الانطباع سيد الموقف دوماً. فهل موقف طلابي من المدرسة الرسمية بالمقارنة مع المدرسة الخاصة المتدنية هو انطباع؟ وإذا صح هذا الأمر، فسيكون موقفهم مبنياً إما على الملاحظة وهذا شأنهم، أو على الإحساس وهذا شأنهم أيضاً، وإما على التلاعب وهذا شأن الجميع.
من يكسب من إضعاف صورة المدرسة الرسمية؟ هل في الأمر مؤامرة؟
صديقتي كاتبة الأطفال يستهويها دائماً هذا السؤال. تقول إن نظرية المؤامرة مثيرة، ولولاها لكان التفكير مملاً. يجب أن نفكر أن هناك مؤامرة وراء الأمور السلبية التي لا نعرف لماذا تبقى سلبية، وذلك حتى يثبت العكس. وإذا كانت صورة المدرسة الرسمية سلبية دائماً، رغم أن البعض منها في الواقع ليس سلبياً، وإذا كانت صورة المدرسة الخاصة المجانية ليست سلبية كثيراً رغم أن الكثير منها هو سلبي، إذاً هناك من يتآمر على المدرسة الرسمية. بكل بساطة. ونحن المواطنين، وخصوصاً نحن متخرجي هذه المدرسة، علينا أن نواجه عملية التآمر.
حين نعرف أن هناك أشياء جميلة علينا أن نعرضها وأن ندفع لتبنيها، مثل بعض تجارب التنسيق بين المدرسة والبلديات لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة أو لتجهيز المدارس، ومثل تجربة بعض المديرين الذين يتفانون في خدمة مدرستهم ويعطون نتائج جيدة جداً، ولكن للأسف لا أحد يلتفت إليهم، ومثل بعض القرارات التي تمنع أن تكون المعلمات في المدرسة الرسمية من غير ذوات الاختصاص الجامعي، وخصوصاً من متخرجات الجامعة اللبنانية التي هي جزء من التعليم الرسمي، وعلينا أن نضيء على بعض النتائج الباهرة لأطفال هذه المدرسة، وأن نضع في تصوّرنا أنها وإن كان الفقراء فيها كثراً، فهي ليست مدرسة للفقر.