نبيل عرابييتطلّب الوصول إلى الصحة النفسية والعقلية، دراسة المظاهر الفيزيولوجية التي تحكم حيوية الإنسان وديناميته وقدرته على تجاوز المصاعب، كما يتطلّب الاهتمام بالعوامل الطبيعية للصحة، وبالعوامل الطبيعية العاطفية والأحاسيس المختلفة.
فشعور الإنسان بعاطفة ما، يؤدي إلى العديد من التبدلات في الجسم وأعضائه. إذ يُخضِعُ الغضب والخوف والقلق والشعور بالذنب الإنسان لحالة من التوتر. وتكون هذه الحالة حادة شديدة ومفاجئة أحياناً، ومزمنة وأقل شدة أحياناً أخرى.
ويطلق الجهاز العصبي بعض الاستجابات الفيزيولوجية، فيفرز الأدرينالين في الدم، وتزداد سرعة التنفس، ويتسارع النبض، ويرتفع التوتر الشرياني... هذه الظواهر تؤهّب الإنسان للتفاعل مباشرة وبعنف مع أي تهديد أو شدة.
ففي المدينة المعاصرة، تمتلك التهديدات التي يخضع لها الإنسان طابعاً نفسياً وعاطفياً أكثر منه فيزيائياً، لأنها تهديدات للشخصية، للذات ولصورة الذات.
لذلك، أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على صورة للذات صحيحة ومقبولة في ظل المجتمع المدني الثقافي الذي يستغل الفرد لمصلحة الجماعة، فكيف بالحصول على صورة للذات، يمكن تطويرها بما يسمح بالتواصل المستمر مع الآخرين بصدق ووضوح. وكي يصل الإنسان إلى التوازن النفسي والسلم الداخلي، لا بد له من تقديم صورة عن ذاته حقيقية ومُرضيَة. وما يحصل هو أن الإنسان يفضّل غالباً الحصول على قبول الآخرين، أي القبول غير المباشر للذات، أو يلجأ إلى رفضهم مستخدماً طاقاته النفسية من أجل إيجاد الحواجز في وجههم، فيتّهمهم بالسطحية والغباء تارة، وبالعدوانية والأنانية تارة أخرى، ويحمّلهم وزر عدم التواصل. وكل ذلك ليس إلا أقنعة تعبر عن القلق وعدم القدرة على التعامل بود وعفوية. وهذا الموقف يخفي التردد الداخلي وعدم التمكّن من قبول الذات. إن الذات عند الإنسان، تنمو وتتطور بحسب علاقاته الاجتماعية منذ نعومة أظافره، وما إن يبدأ بوعي ذاته، حتى يبدأ بتحقيقها وتطويرها وإخفائها. وكذلك الأمر بالنسبة للصورة التي يكوّنها عن ذاته. وإذا أحب الإنسان ذاته، وجد متعة في التعبير عنها، أما إن ساءت العلاقات بينه وبينها، أو كانت صورتها مطبوعة بالقلق والشعور بالذنب، فإنها تسبّب حالة من التعاسة. وهكذا، فإن الحاجة الأولى للإنسان هي أن يمتلك عن ذاته الصورة الأكثر صحة ومُطابَقة، ولن يتمكن من فعل الشيء الكثير إذا كان لا يعرف أو لا يقبل الوضع الحقيقي لذاته. فالأدوات الحقيقية موجودة في داخلنا، ويجب استخدامها من أجل القيام بعملية تحليل ذاتي، تدعمه مراقبة الظواهر الإنسانية في داخلنا وخارجنا. عندها نستطيع التقدم نحو حياة أكثر صحة، تستحق أن تُعاش، وحياة أكثر سعادة لنا وللآخرين المحيطين بنا.