علي السقاحدثني عنهما قائلاً:
لما انتصب جسدها في العراء، وعيناها بحثتا عن فضاء تأويه، أدركته الظلمة. لسذاجته لم يتقن مداعبة الألوان والحروف. حلمته يعبر المدى بظل خفيف ومحجراه يستقرّان عند آخر خيوط الشمس. اعتاد أن يصوغ الليل كما تحبه: نجمتان يتلقّفهما قمر، وفتاة ترقص حتى الثمالة. لم يسأم المكوث بين جنبات كرسيه مع كأسه، يرتشف الخمر ويأنس لذاكرته التي انتعشت لتوّها. ثم يتأمّلها تخطّ مذكراتها على عجل. تلك الطفلة التي تصقل ذاكرة ستتهاوى يوماً بين الحلم واليقظة. في هيئته القاتمة وهامته الهزيلة كان يشرح للزائرين ميتافيزيقيا الأشياء واختلاف المسمّيات مع الأزمنة. حتى حينها لم يفقه سر التضاد بين الخطوط، كيف تستقيم وتتعرج ولماذا؟
أحبَّ تقمص أدوار ليست له. كأنه باقتباس أيّ شخصية يشبع إحساسه الدائم بكونه نقطة سوداء وسط سطور لن يملأها أحد. كانت تعترض أحلامه كأنها نصف ذاكرة أو عقله الباطن. لم يفلح إلا امتهان التسكّع. حدّق إلى وجهه مليّاً. هل أمسكت بخيوط النهاية؟ قال لي. ثم أومأ برأسه نفياً وقال: اصغ جيداً. هذا الرجل أمامك يعرّج إلى كرسيه كل يوم وفي جعبته رزمة أوراق بيضاء. يودعها الفتاة ويحدّق إلى أناملها التي تروح وتجيء بخفّة، راسمة قسمات وجهه. تقارن بين الشخصيتين ثم تضحك. ترتسم على وجهه ابتسامة بلهاء ثم يبتلع حسرته ويمضي. علمت أنه يرحل ليواسي غجرية، قدرها الرقص مكرهة لعابري السبيل.