شاشة الخلوي تجتاح يومياتنا بشكل لم تعرفه آلة تكنولوجية أخرى، فهي تجمع بين الاتصال والترفيه، من البوابة الخليجية تدخل «الشاشة الرابعة» إلى العالم العربي، حيث أعلنت دبي عن تحوّلها إلى مدينة الترفيه الاتصالي لتنتشر فيها خدمة «تلفزيوني في موبايلي»

غسان رزق
الشاشة الرابعة. قد لا يبدو هذا التعبير مألوفاً بالنسبة إلى القارئ العربي، لكنها بكل بساطة تسمية للتدليل على شاشة الخلوي، أي أكثر الشاشات انتشاراً في تاريخ علاقة الإنسان بالشاشات. هل في الأمر مبالغة؟ بالطبع لا، لنبدأ من الأرقام. ينتشر على الكوكب الأزرق ملياران ونصف مليار جهاز خلوي، بمعدل شاشتين لكل خسمة أشخاص على الأرض. الحقّ أنه انتشار لم تُحقّقه السينما (الشاشة الأولى) ولا التلفزيون (الثانية) ولا الكومبيوتر (الثالثة). ولم تصل إليه أيضاً أجهزة أخرى في الإعلام العام (الميديا) مثل الراديو. ولقد سار سريعاً، وربما نحو مجال لم يكن متوقعاً ألا وهو: الترفيه البصري. ويثير الأمر ذعراً في الشاشات الأُخرى، وخصوصاً التلفزيون الذي وجد نفسه فجأة أمام منافس غير متوقع.
تأتي قوة الشاشة الرابعة من أنها تمزج وسيطين ظلّا طويلاً على مسافة بعيدة: الاتصال، بمعنى التواصل (لا فقط التلقي) والترفيه.
وربما ليس من المجازفة القول إن الاتصال يبدأ بالكلام والإشارة، ويمر بالكتابة بأنواعها وضمنها رسائل البريد، ويشمل الهاتف التقليدي. يبدو عالماً قديماً، وملامحه الاجتماعية إنسانية بامتياز، ومتجدداً في الوقت نفسه. ويميل للتركيز على الشخصي والحميم والمباشر. عالم الترفيه، وخصوصاً الترفيه البصري، أقرب إلى الصناعة، وتاريخه ممتزج في الأدوات مثل الكاميرا والسينما والمسرح وغيره. لم يحدث من قبل أن حملت أدوات الاتصال الفردي ترفيهاً بصرياً. لكن الشاشة الرابعة تُحقّق هذا الأمر. ربما لأن الآلات صارت جزءاً من كل شيء، وخصوصاً أدوات الاتصال. يلاحظ عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار أن البشرية لم تشهد سابقاً زمناً يُحاط فيه الناس بهذا القدر من الأدوات والآلات، فكأنهم «يتواصلون» مع الآلات أكثر مما يتواصلون مع أعضاء الأسرة البشرية. هل وُلد الترفيه البصري الاتصالي من هذه الصورة؟.
هل لأن الاتصال الفردي بات محكوماً بالمرور في أداة إلكترونية، سار الترفيه الفردي وراءه ليعبر من تلك الأداة عينها؟ ربما. لكن، أفلام الخلوي باتت شديدة الانتشار، وخصوصاً عندما رُكّبت الكاميرات في الهواتف النقّالة. وسرعان ما صارت فناً.
في عددها عن الأوسكار السنة الماضية، أوردت مجلة «تايم» الأميركية أراءً لعدد من مُخرجي هوليوود، مثل ستيفن سبيلبرغ وجورج لوكاس، كرّسوا فيها أفلام الخلوي فناً مستقلاًّ. ولم يتردّدوا في الحديث عن «فن بصري لشاشات كبيرة وجماعية، وفن بصري آخر لشاشات صغيرة وفردية». والمثير في ذلك الحديث، أن هوليوود بدت مُدركة لضرورة «سينما الخلوي» بأكثر مما يظهر على السطح. ولاحظ سبيلبرغ، المولع بالتقنيات البصرية المتطورة، أن التكنولوجيا فشلت في تحقيق بعض وعودها بصرياً، كما يدل على ذلك محدودية تلفزيون الويب، وقلة انتشار التلفزيون التفاعلي، وعدم ذيوع السينما الرقمية بصالاتها المتشابكة عبر الإنترنت. لكن الخلوي مشى إلى هدفه مباشرةً، كمن يفلح في الإمساك بالثور الهائج لسوق الترفيه البصري من قرنيه، وهي اليد (التي تعوّدت حمل الخلوي) والعين (التي ألفت التطلع إلى شاشته). الحديث في هذا الشأن متشعّب وشائك. ولعل الجديد فيه، نسبياً، هو دخوله العالم العربي من البوابة الخليجية، وتحديداً من دبي. ففي معرض للكومبيوتر والاتصالات، أعلنت دبي تحوّلها إلى مدينة الترفيه الاتصالي في العالم العربي. وكشفت شركة «اتصالات» عن القناة التلفزيونية الأولى المُخصصة للهواتف الخلوية، ضمن خدمة «تلفزيوني في موبايلي». وتضم أقنية تلفزيونية مثل «الجزيرة» و «العربية» و «دبي الرياضية» و «بي بي سي» و «ديزني»وغيرها. وتعتمد على تقنية «دي في اتش» DVH، أي «الفيديو الرقمي المُخصص للهواتف المحمولة». ويمكن وصفه أيضاً بـ «التلفزيون المحمول». وباستخدام التقنية عينها، تُقدّم بوابة «وياك» الإلكترونية أفلاماً سينمائية تحصل عليها من عقد حصري مع شركة «فيلم نايت» البريطانية. كما تُقدّم قناة تلفزيونية للألعاب الإلكترونية! وفي المعرض عينه، أعلنت شركة «نوكيا» قناة «أي تو» i2 التي تقدّم خدمة مُنافسة تماماً: تلفزيون الخلوي المعتمد على بث الأقمار الاصطناعية لمواد الميلتي ميديا. ويشار إليه بمصطلح «دي أم بي» DMB. ويُعدّ التلفزيون الفعلي للهواتف النقّالة. دخلت دبي المنافسة بين التلفزيون المحمول وتلفزيون الخلوي. وتعيش بيروت أحزاناً ليس أولها تحوّل الشاشات المتلفزة إلى أدوات «اتصال» (من دون ترفيه) بين الخطابات الطائفية المذهبية وجماهيرها المبحلقة في الشاشات الفضية، ولا آخرها.