خضر سلامةيبدو أننا لن نكتشف قريباً، على الأقل، الأسرار القديمة المتعلقة بألغاز الكون والعلم، فقد أعلنت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) أن مسرّع الجزيئات الأضخم (LHC) أي صادم الهدرون الكبير، وهو الآلة الفيزيائية الأكبر حجماً في العالم، الذي يعوّل عليه لكشف أسرار الكون الأولى عبر إعادة خلق اللحظات الأولى لما بعد الانفجار الكوني الكبير، الـBig Bang، أن هذا المسرّع قد تعرض لأعطال أكثر من المتوقع، وسيجري إيقافه على الأقل شهرين، وكان المسرع المركب تحت الأرض في سويسرا ويمتد داخل الحدود الفرنسية بدأ تشغليه في 10 الشهر الجاري، ثم أوقف عن العمل للمرة الأولى بعد 36 ساعة بسبب عطل كهربائي، وجُرّب وأُعيد إلى العمل يوم الجمعة الماضي، إلا أن الفحوصات أظهرت أن المشكلة تكمن في وجود تسرب للهيليوم، ما استدعى إيقافه من جديد.
الـ(LHC)، عبر قراءة فيزيائية سريعة، هو حلقة بقطر 26 كلم، وعلى عمق 100 متر تحت الأرض، يقوم على مبدأ تحريك البروتونات باتجاه عكسي وبسرعة تقارب سرعة الضوء، بفضل مجموعة مغناطيسية موصلية فائقة، وهي مجموعة مغناطيسات جرى تبريدها على درجات حرارة شديدة الانخفاض (°271-) ما جعلها تخلق ظاهرة التوصيل الفائق، حيث تنتفي المقاومة الكهربية، ما يسمح بحفظ السرعة، هذا التبريد يحصل عبر استخدام الهليوم السائل، إلا أنه «يبدو أن اتصالاً كهربائياً خاطئاً بين مغناطيسين قد عرقل عملية التوصيل الفائق للبروتونات» وفق جيمس جيليس، الناطق باسم CERN.
إذاً، النتيجة كانت ذوبان الطرفين المتصلين، ما سبب عطلاً ميكانيكياً وتسرباً للهيليوم، ما سيستدعي حسب جيليس «تسخين القطاع المتضرر كله، قبل أن يستطيع رجال الصيانة الدخول لإصلاح الأعطال وإعادة تركيب القطع اللازمة»، عمل سيستغرق أسابيع عدة على أقل تقدير، قبل أن «نعيد تبريد القطاع كاملاً ووضعه في الخدمة مجدداً لإكمال التجربة».
يُذكر أنه إذا أعيد صادم الهدرون الكبير إلى العمل سالماً، واكتمل تشغيله عام 2009 كما كان مرسوماً له، فإن نتائج التجربة الكاملة لن تظهر قبل سبع سنوات على أحسن تقدير.
مشروع الـ LHC نُظم عبر دولة CERN الـ20، ويشارك فيه علماء من 80 دولة حول العالم، وتعود فكرته إلى عام 1983، إلا أن العمل في تركيب المسرع انطلق عام 1996، وكلف 3.76 مليارات يورو، واشتغل فيه الآلاف من المهندسين والفيزيائيين طويلاً، إذ إن فكرة إعادة إحياء الأجزاء الأولى من مرحلة ما بعد الانفجار الكبير، حين كان الكون بحجم بالون تقريباً، أي المراحل الأولى لما بعد تشكل الـ«زمن»، والكون الذي نعرفه (أو لا نعرفه؟!) حالياً، يعول عليها كثيراً لكشف أسرار فيزيائية ورياضية وبيولوجية، ويضاف إلى ذلك ملاحظة أن هذه التجربة ستسمح في حال نجاحها، بمراقبة عناصر أولية لم تُشاهد من قبل ولم يعرف طبيعتها الإنسان، وذلك في خلال أجزاء مليونية من الثانية، تشكلت في الشروط الفيزيائية التي تلت الانفجار العظيم، قبل أن تنصهر هذه العناصر لتكوين نواة الذرة، كما يعتمد على التجربة لاستجداء آثار المادة السوداء اللامرئية التي تكوّن 22% من «كثافة» الكون، وأيضاً من أجل كسر غموض ماهية الطاقة المظلمة، وإثبات وجود ما يسمى بـBoson de higgs، أو «الجسيم الإلهي»، وهو الجسيم الأساسي، الذي لا يزال مجرد فكرة نظرية والذي يعطي وزنه للمادة، والذي سيفسر بشكل قاطع حركية الجزيئات والطاقة في الذرة.
وقد استعملت سابقاً مسرعات عدة، أقل حجماً وتجهيزاً، قبل عقود، من أجل دراسة تكوين الذرة، فقبل أقل من قرن مثلاً، كان الفيزيائيون يعتقدون أن البروتونات (شحنات موجبة) والنيترونات (بلا شحنة) هي أصغر عناصر النواة الذرية، إلا أن البحث المتواصل أثبت أن هناك عناصر أصغر، منها جسيمات الكواركس (quarks) والكليون (gluons).