روز زيادهتأخذني الذاكرة إلى أيام التطوع لخدمة المسنين الذين تجاوزوا سن العمل، يقبعون في بيوتهم. مسنّون توقفت أذهانهم في محطة ما من محطات العمر. التوقف الذهني بينما الحياة تسير إلى الإمام حالة صعبة وتدعو إلى التفكير، إلى التصميم على عمل ما يساعد على إزالة العقبات التي تسهم في أن يعيش هؤلاء الناس في الماضي، أو خارج الزمن، بغض النظر عن نوعية معيشة كلٍّ منهم. بعد كل درس، وجدنا أن خريف العمر ليس محطة توقّف، بل هو نقطة تقويم لحياتنا التي عشنا فصولها لغاية الآن. وفي التقويم يكمن العذاب، تسكن الخيبة في قلوبنا مرة لأننا أضعنا فرص كثيرة. ومرة أخرى لأننا تعاملنا مع الحياة بغباء. هذا الغباء هو الذي يعتصرنا ويجعلنا وراء الزمن.
في الخريف، يصعب علينا الاعتراف بأخطاء ارتكبناها في غفلة منا، أو منقادين لمجتمعنا وتقاليده حينذاك بحيث أجبرانا على الوقوع فيها.
بينما في التقويم تجدّدٌ لخلايا عقولنا، لإعادة الحياة إلى هممنا والحرارة إلى فكرنا. هذا التجدد هو العامل الأساس لمتابعة السير بتؤدة، بالتبصر جيداً قبل أن نخطو، وبالتفكير قبل أن نتكلم، واستيضاح المواقف قبل أن نفسح عن وجهة نظرنا أو توجيه نقدنا إلى الآخرين.
خريف الطبيعة يُسقط أوراق الشجر، وفيه تكون السماء مكفهرة. خريف الإنسان هو فصل قطاف ثمار جهود كثيرة، لتعزيز مواقف وخبرات ولينعم بما خصه به الخالق من العمر والعقل.