عام 2006، اكتشف العلماء في موقع تل الأسود القريب من دمشق جماجم أعيد تشكيل وجهها بالطين منذ 10 آلاف عام. اليوم، توصّلوا إلى كشف النقاب عن الطقوس التي صاحبت هذه الممارسة

جوان فرشخ بجالي
قبل 10 آلاف عام، سكن إلانسان القرى وربّى الحيوانات الداجنة، زرع الأرض وانتظر الحصاد. قبل 10 آلاف عام، كانت حياة الإنسان اليومية والموسمية قد بدأت تتّخذ شكلها الحالي: وبالطبع كان لمسائل الدين والموت حيز كبير فيها. وكما في كل العصور، حاول الإنسان القديم كشف أسرار الحياة والموت من خلال إيمانه بمعتقدات وشعائر دينية معينة: إحداها كانت ترتكز على إعادة تكوين جماجم الأقدمين وعرضها في البيوت. هذا ما كشفته البعثة الفرنسية ــ السورية العاملة في موقع تل الأسود خلال صيف 2006. فقد وجد علماء الآثار على أرضية أحد المنازل ثلاث جماجم قد أعيد تكوين ملامح وجوهها بطبقة ملوّنة من الطين والكلس. اكتشاف هائل. اكتشاف حرّك مشاعر كلّ من كان على الموقع، فحتى العمال راحوا يبكون... وجوه شبه حية وطقوس وشعائر للأموات تظهر من دون سابق إنذار، لكن التفسير بقي غامضاً. فقد كان من المستحيل فهم خلفية هذه الممارسة بسبب غياب النصوص، إذ إن الكتابة لم تكن مكتشفة في تلك الفترة. ولكن ذلك لم يكن سبباً كافياً لدانيال ستوردور، مديرة الحفرية ورئيسة البعثة الفرنسية ــ السورية على موقع تل الأسود، لإيقاف البحث. على العكس من ذلك، كان ذلك الاكتشاف دافعاً لإجراء دراسات معمقة عن طريقة عرض الجماجم وأماكن اكتشافها أولاً، ولإنجاز مقاربة، ثانياً، بين الشعائر الدينية التي لا تزال بعض الشعوب الأصيلة تحافظ عليها وبين تلك المكتشفة. وبعد سنتين من الدّراسات، نشرت العالمة الفرنسية نتيجة الأبحاث في العدد الأخير (84) من مجلة Syria العلمية المتخصصة.
وتقول في المقالة «كان سكان القرية ينتقون الأشخاص الفريدين من نوعهم بالنسبة إلى المجموعة ويقرّرون إعادة تكوين تقاطيع وجوههم بالطين والكلس. لا نستطيع أن نحدد هوية الأشخاص ولا سبب انتقائهم، بل نستطيع أن نؤكد أن هذه الشعائر كانت تجري في قرى سوريا الوسطى وصحراء النقب في الفترة الممتدة بين عامي 8200 و7000 قبل المسيح. ولكن تجدر الإشارة إلى أن مزاولة هذه الشعائر بقيت محدودة جداً، فلم تكتشف تلك الجماجم إلا في بعض المواقع الأخرى مثل حيفا في فلسطين وعين غازال في الأردن، حيث كانت موضوعة على أرض غرف بعض المنازل، مما يشير إلى أنها كانت قيد الاستعمال كشعائر دينية أو على سبيل التعبير عن احترام الأموات. أما في موقع تل الأسود، فقد كان بعض تلك الجماجم مدفوناً في المقابر والبعض الآخر معروضاً».
حاولت ستوردور فهم «المنطق» الذي كان يحكم استعمال هذه الجماجم، وكشف الأسرار الكامنة وراء دفن بعضها وعرض الآخر. فما كان منها إلا أن قرّرت إجراء مقاربات بين هذه العادة وتلك التي لا تزال «حية» في مختلف أنحاء العالم التي لا تزال تأْهلها شعوب أصيلة. وبعد بحث طويل، عثرت ستوردور عند بعض القبائل التي تسكن وادي سبيك في غينيا الجديدة على شعائر مماثلة لا تزال ممارساتها جارية حتى اليوم. فما كان منها إلا أن زارت القبيلة وتعرفت إلى تقاليدهم بأمّ العين.
ومن الملاحظات التي دوّنتها عالمة الآثار، وتبدو مهمة جداً في مجال تراتبية الشعائر الدينية: عملية استخراج الجمجمة من الأرض بعد دفنها بعدة أشهر، التي يتم من بعدها العمل على إعادة تكوين ملامح الوجه من جانب حرفيّي القبيلة الذين يجيدون استخدام الطين وممارسة فن النحت. ومن بعدها، عملية عرض الجمجمة في أحد بيوت القبيلة، وإخراجها في بعض المناسبات إلى العلن والطّواف بها في أرجاء القرية. اللافت للنظر أن بعض الجماجم كانت تبقى معروضة لعدة أجيال فيما يعاد دفن جماجم أخرى بعد عدة سنوات من عرضها والطواف بها.
سمحت مراقبة هذه التقاليد للدكتورة ستوردور بتقديم نظرية عن هذه الممارسة في موقع تل الأسود. تشرحها قائلة: «إن الجماجم التي عثرنا عليها على أرض أحد البيوت كانت لا تزال تحتفظ بتأثير «هيبتها» و«سلطتها» على مجتمع الأحياء، إذ كانت تستخدم خلال الشعائر لتقديم الاحترام إلى الأجداد والأموات. أما تلك التي دفنت في المقابر، فكانت سلطتها قد ولّت، لذلك أعيد دفنها في الأرض مع باقي أهالي القرية».
وتجدر الإشارة إلى أن عدد المقابر التي تحيط بتلك الجماجم كان مرتفعاً جداً، ما يشير إلى أن دفنها لم يكن ليقلّل من أهميتها في عالم الأموات. أما عن البيت الذي كانت تعرض فيه الجماجم التي يأتي الأحياء لزيارتها، فتلفت ستوردور إلى أنها تستبعد أن تكون منازل سكنية عادية، وتعدّها بمثابة «بيوت يقدّمها سكان القرية إلى الأموات».
أما عن تجربتها في عملية الاكتشاف، فتقول ستوردود إن اللافت للنظر هو «السكون المرسوم على وجوه تلك الجماجم. لا يستطيع أي عالم آثار أن يقف لحظة اكتشافها ساكناً. فالسلام الذي يطفو على ملامحها مؤثر جداً ويعطي الناظر شعوراً بالهيبة لا يزال فاعلاً حتى بعد 10 آلاف عام».

نابلس تكتشف موقعاً وإسرائيل تحوّله إلى مكب نفايات



كشفت أعمال حفر تقوم بها السلطة الفلسطينية لإعادة بناء مبنى محافظة نابلس الذي دمرته القوات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية عن وجود منطقة أثرية تعود إلى الفترة الرومانية. وقال ضرغام الفارس، مدير آثار نابلس: «يلقي الكشف الأثري الجديد الضوء على النظام المائي الذي استخدمه الرومان في القرن الثاني الميلادي في مدينة أنابوليس، الاسم الروماني لمدينة نابلس. وهو عبارة عن بئر أسطوانية الشكل بعمق ثمانية أمتار يمكن النزول إليها عبر درج حجري يلتف حولها ويؤدي إلى نفق مائي بطول ما يقارب 1500 متر يربط المدينة القديمة بعين للماء».
وأوضح الفارس كذلك أن الدراسات تشير إلى أن هذه الآبار التي سبق أن كشف عن عدد آخر منها سابقاً، كانت تهدف للمساعدة في إدخال الهواء إلى العمال الذين يحفرون النفق.
بينما لفت إلى أن «أعمال الحفر الهادفة إلى توسيع الأرض التي كانت تقام عليها المقاطعة قد أدّت إلى اكتشاف مغارة أثرية تعود إلى الفترة البيزنطية، ولكنّ أضراراً كبيرة لحقت بالموقع الذي تعرّض للجرف ولم نستطع إنقاذه. اكتشفنا فيه أواني فخارية وقطعة عملة معدنية وجزءاً من صليب تعود جميعها إلى الفترة البيزنطية».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بعض المقالات الصحفية تناقلت خبر الاكتشاف والأضرار التي لحقت به، وأكدت أن السّلطات الإسرائيلية قد أعطت الإذن، في اليوم ذاته الذي جرى فيه الاكتشاف الأثري، لمقاول، بإجراء مكب للنفايات... في مكان الموقع الأثري الذي سيجرف ويردم. ويحاول علماء الآثار الفلسطينيون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الموقع قبل بدء أعمال البناء.
اليوم، تجري أعمال الحفر هذه إلى جانب المبنى الوحيد الباقي كنموذج للبناء العسكري خلال الفترة العثمانية، الذي يطلق عليه اسم «القشلة» ويستخدمه السلطة الفلسطينية سجناً.
يشرح الفارس: «هذا المبنى شاهد على تاريخين: العثماني، والإسرائيلي الذي هدّم أجزاءً منه خلال الانتفاضة الثانية. ما يميز تاريخ هذا المبنى أنه شيّد على نفقة أهالي نابلس الذين ضاقوا ذرعاً بالجنود العثمانيين الذين كانوا يقيمون داخل المدينة، فألّفوا لجنة لجمع التبرعات ومن لم يكن قادراً على الدفع كان يعمل بنفسه في البناء الذي قام المهندس الحربي نور بك بوضع تصميمه».
تسعى السلطة الفلسطينية حالياً إلى إدراج مدينة نابلس على لائحة التراث العالمي، مما سيعطي دعماً لحمايتها من التعديات الإسرائيلية عليها. وقال حمدان طه، مسؤول الآثار في السلطة: «المدينة (نابلس) موضوعة على اللائحة التمهيدية من أجل وضعها على لائحة التراث العالمي لما تضمّه من مواقع أثرية مرتبطة بروايات تاريخية ودينية ومنها البلدة القديمة في نابلس وجبل جرزيم وبلدة سبسطية وغيرها من المواقع».

وأخيراً ستونهنج يكشف أسراره



بعد أكثر من خمسة عقود من الدراسات والتحاليل، حدّد علماء الآثار وجهة استعمال الصرح الدائري الشكل والمبني من حجارة ضخمة وتاريخ بنائه. فقد اكتشف العلماء أن تاريخ بناء صرح «ستونهنج» (Stonehenge) الواقع جنوب غرب إنكلترا، يعود إلى عام 2300 قبل الميلاد. وهو اكتشاف سيساعد على معرفة كيفية بناء هذا الصرح الغامض.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أن هذا الاكتشاف يعني أن الصرح بني بعد 300 عام من التاريخ الذي كان يعتقد العلماء أنه بني فيه، أي بين عامي 2600 و2400 قبل الميلاد.
وقد توصّل إلى هذا الاكتشاف عالما الآثار البريطانيان تيم دارفيل وجيوف ماينرايت بعد قيامهما بحفريات في الموقع.
أما الاكتشاف الجديد الآخر الذي توصل إليه العالمان، فهو أن «ستونهنج» كان مركز علاج، وهو ما يدحض الاعتقاد السائد بأنه كان معبداً أو مرصداً.
وأشار العالمان إلى أن الرفات الذي وجد في موقع الصرح يعود لأشخاص مصابين بأمراض وجروح خطيرة.
كما أظهر تحليل أسنان الهياكل العظمية التي عثر عليها هناك أن حوالى نصفها يعود إلى أشخاص من خارج المنطقة.
ومن بين الاكتشافات الأخرى اللافتة ما عثر عليه الفريق من معادن عضوية تمثّل دليلاً على أن الناس سكنوا المنطقة قبل 7200 عام قبل الميلاد.
ويتكوّن صرح «ستونهنج» من مجموعة دائرية من أحجار كبيرة قائمة محاطة بتلّ ترابي دائري، ساد اعتقاد بأنه صرح ديني كانت تجري فيه الطقوس أيام الخسوف والكسوف. وقد ولدت عدة أساطير عن هذا المكان، حتى إن هنالك بعض الشباب البريطانيين الذين قرروا إعادة إحياء ديانة الأقدمين والصلاة في الموقع في فترة معينة من السنة.