عمر نشّابة«صفّ عاليمين يا مرسيديس وهات اوراقك»، يهتف الشرطي للسيارة الآتية بعكس السير. «السيارة عسكرية يا حبيبي... يلّا رجّعلي هالسيارات كلها. العميد مستعجل وعندو اجتماع مع معالي الوزير»... يهزّ الشرطي برأسه، ومن دون أن يطرح سؤالاً أو يستوضح الأمر، يتفقّد سريعاً سواد الزجاج الخلفي للسيارة العسكرية التي تحمل لوحة تسجيل مدنيّة، ثمّ يعود إلى المواطنين الذين كانوا قد بدأوا بإطلاق أبواق سياراتهم. «ارجعوا لورا يلّا لشوف! ارجعوا». يرتفع الزجاج الأسود ببطء إلكتروني يخفي وجه سائق سيارة العميد. تتقدّم السيارة «العسكرية» بثقة في عكس وجهة السير. «برافو يا قبضاي»، يهمس راكب إحدى السيارات التي ركنها صاحبها على جانب الطريق لإفساح المجال أمام مخالفة «الدولة» قانون السير.
مئات الضباط، من العقيد والعميد والمقدّم والرائد، وحتى النقيب والملازم، يختبئون عن أنظار الناس خلف الزجاج الأسود. وكأنما لم يكتفِ المواطن من استعراضات مواكب النواب والوزراء وزعماء الصراعات السابقة والجارية والآتية.
وبدل أن تهذّب الدولة الميليشيات والزعران، بلغ نفوذ هؤلاء في مؤسسات الدولة ذروته. ولا يقتصر هذا الأمر على تأمين مصالح الأحزاب والميليشيات في القطاع العام والخاص، بل يتعداه إلى تبنّي بعض الضباط أساليب تذكّر الناس بأيام الفوضى والحرب. فلا فرق بين «أبو الجماجم»، مسؤول التنظيم المسلح المهيمن على المنطقة، والعميد خلف الزجاج الأسود الذي مرّ أمس بالمنطقة نفسها.
ولا فرق بين عنصر الميليشيا والشرطي أو العسكري الذي لا ينتظر دوره مع سائر الناس ليشتري منقوشة، بل يأخذها على الفور ويمشي دون أن يطالبه أحد بثمنها. ولا فرق بين سيارات الأحزاب المدجّجة بالسلاح التي تشقّ طريقها بالقوة وبين آليات دوريات الطوارئ بألوان مصابيحها المشعشعة وبتلطيشات رجالها للفتيات في الشوارع. ولا فرق بين عناصر المعلومات والمخابرات باللباس المدني وهم يستعرضون أسلحتهم وعضلاتهم في مسرح الجريمة، وبين من يعتقد الناس أنه مرتكب الجرائم الأبشع بحقّ الدولة والمؤسسات.
إن من يعمل في القطاع الأمني يُفتح له المجال بتجاوز المعايير القانونية والأخلاقية والمهنية. إنما على الدولة تفعيل آليات التفتيش والمراقبة. ولا يجوز أن يقتصر التشدّد على العسكر، بل يفترض أن يشمل الضباط مهما علت رُتَبهم.