سناء خورياعتدت رحلتي الأسبوعيّة الطويلة بين بيروت وقريتي العكّاريّة، وحفظت الحفر كلّها من مدخل محافظة الشمال حتّى منزلنا. عندما استقلّيت «الميني فان»، السبت الماضي، شعرت بشيء غريب في الجوّ، وبأنّ رحلتي ستكون أطول من العادة. ترسّخ شعوري الأوّلي هذا عندما استهوت بَسطات الخضر، التي تنتشر على يمين الطريق من عرقا حتّى عدبل، إحدى السيّدات معنا في الباص. هكذا، كأنّها لم ترَ عرانيس الذرة واللوبياء الرفيعة في حياتها. لم تترك بسطة واحدة تعتب عليها! أوقَفت السائق واشترت كيس فستق نيء ستسلقه من دون ملح حفاظاً على صحتها، كما لم تنس شراء خبز التنور والطلامة. السيّدة مغتربة في كندا منذ أكثر من عقد، وما إن رأى باقي الركاب تلك «الكنديّة» تملأ مقاعد الباص بالخضر حتّى حسدوها. بدأت تتكدس من حولي أكياس البطاطا والباذنجان والجوز، حتّى إنّ أحد حواجز قوى الأمن الداخلي أوقف السائق على اليمين مهدّداً بغرامة على زيادة الوزن! في منطقتنا الكلّ يعرف الكلّ، لذا تغاضى الدركي عن زيادة الوزن. لم تنته مغامرتي مع «السائحة في منطقتها»، فما إن وصلنا إلى بينو حتّى بدأت تطلق صرخات الإعجاب بالمناظر الطبيعيّة التي «لم ترَ مثلها في حياتها!» في بزبينا، خفت عليها من الفالج وهي تكرر: «ما هذه الأشجار، ما هذه المناظر، يا لروعة هذه الجبال»! هل كانت تعيش في كندا حقّاً؟ في خضمّ حفلة الإعجاب بخضرة عكار وخُضَرِها، كنت أحاول أن أستمتع، بين أكياس النايلون، بنسمات الهواء الباردة التي بدأت تتسلل من شباك الباص. نزلت إلى بيتي وأنا أودّع السيّدة الكنديّة، وهي تخبرني، بعد أن أصبحنا صديقتين بفعل اهتمامنا المشترك بالعرانيس، بأنّها لن تبقى طويلاً في الضيعة، فقد اعتادت راحة البال في مونتريال.