إيلي شلهوبغريب أمر الزمن. سنوات قليلة فقط يمكنها أن تصنع المعجزات. تحوّل الغبي الموتور إلى نبيه عقلاني، والمجنون إلى داعية يعرف ما في القلوب والنفوس. إنها حال جورج بوش ومحمود أحمدي نجاد، اللذين تبارزا قبل أيام في نيويورك، حيث ألقى كلّ منهما خطبته الوداعية للأمم المتحدة. كلمتان شاءت الصدف أن يُنطق بهما في اليوم نفسه وأن تتناولا تقريباً المواضيع نفسها، ما عدا المقاربة اللاهوتية للرئيس الإيراني الذي وردت في خطابه 63 إشارة إلى «الله». أبرز ما جاء على لسان بوش، المثقل بالخيبات، كان إقراره الضمني بفشل مقاربته الأحادية للشؤون الدولية، والتي امتدت على مدى السنوات الثماني الماضية. اعتراف بالعجز عن مواجهة أزمات أفغانستان والعراق وسوريا وإيران وكوريا الشمالية... وحتى الأزمة المالية العالمية، من دون الأمم المتحدة التي كان يمقتها، وباتت «حاجة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى»، فكان شعاره الجديد «لنعمل معاً لمواجهة التحديات الأساسية لعصرنا».
استغاثة لها ما يبررها، بعد الانتكاسات المتتالية التي مُني بها مشروعه في أكثر من مكان، كان آخرها القوقاز، حيث عبّر الدب الروسي عن استفاقته، وفي الشرق الأوسط، حيث تبدو رؤيته لدولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب لا تزال بعيدة المنال.
في المقابل، بدا نجاد واثقاً من نفسه، يوزّع الابتسامات والنصائح بشأن كيفية إقامة عالم خالٍ من «العدوان وإراقة الدماء والحقد وحب الذات والتخريب». دافع بشراسة عن الثوابت التي حدّدها منذ تولّيه منصبه في الدفاع عن «الحقوق» الإيرانية، وهاجم مجلس الأمن الذي «لا قدرة له على فعل أي شيء». جدّد تعهده بالتصدي «للبلطجة» الأميركية، وبشّر بأن «إمبراطورية» العم سام «بلغت نهاية الطريق» وبـ«انهيار أكيد للنظام الصهيوني». بل أكثر من ذلك، تعمّد الإعلان عن خطة قدّمها لبان كي مون من أجل إقامة «دولة واحدة» في فلسطين التاريخية تنبثق عن استفتاء.
إنها حكاية غبي مغادر يسعى إلى التكفير عن ذنوبه، ولو بكبرياء «سيد العالم»، وإلى إنقاذ ما يمكن من ماء وجه بلاده،... ومجنون يحصد ثمن نجاحه في ولايته الأولى وعينه على أخرى من أربع سنوات.