تشعّ الإشارة الخضراء على تقاطع شارعين، ويراقب الشرطي سيارة يتيمة تتقدّم بسرعة. المدينة خلت من زحمتها لحظات قبل أن يصدح صوت المؤذن. لكن الأذان والضوء الأخضر لم يجيزا بعد للشرطي تناول طعام وشراب امتنع عنهما طوال النهار
رضوان مرتضى
تدوي طلقة مدفع الإفطار. يُستثنى من تفرض عليه أعماله الاستمرار بممارسة مهماته، من اجتماع الصائمين على موائد رمضان. وأبرز هؤلاء، العاملون في الإسعاف والمستشفيات والمطاعم، والعسكريون والشرطيون وعناصر الحماية والمراقبة في القطاع العام والخاص.
«رح أسرق حالي على شي دكانة أو مطعم وزبّط الوضع»، يقول شرطي المرور لزميله الدرّاج الذي كان متوجهاً إلى منزله لتناول إفطاره. التقاطع الذي يتولى الدركي تنظيم السير فيه، بقي بلا شرطي مرور لنحو ساعة، عاد بعدها رجل الأمن قائلاً: «رؤسائي لم يأخذوا في الاعتبار أني صائم، ولم يضعوا مكاني وقت الإفطار زميلاً لي من غير المسلمين». عند نقطة أخرى، «زبّط» شرطي المرور وضعه، لكن بطريقة أخرى. اتفق مع زميل له غير صائم على أن يأخذ مكانه لساعة ريثما يتناول إفطاره ويعود.
«تزبيط الوضع» ميزة سائدة بين العسكريين، وهي جزء من تكاتفهم وتعاون المسلمين منهم مع المسيحيين خصوصاً خلال المناسبات الدينية.
لكن تبقى هناك الاستثناءات. فبعض رجال الشرطة لا يغادرون نقاط خدمتهم على الرغم من أنهم صائمون، وينتظرون انتهاء دوام خدمتهم حتى يغادروا لتناول إفطارهم في منازلهم. يقول أحدهم: «أكسر صومي على شربة ماء وأصبر حتى تنتهي خدمتي لأغادر وأفطر فيكون أجري مضاعفاً»، ويضيف: «ما فائدة صيامي إذا تخلّفت عن أداء عملي وهربت للإفطار كما يفعل غيري؟ في هذه الحالة أُفضّل عدم الصوم».
فبين ترك النقطة للإفطار أو تأخير موعده، يُفضل البعض عدم الصوم بالمطلق. يقول شرطي مرور: «أنا مسلم، لكنّي لا أصوم عندما يكون عندي خدمة، فالله غفور رحيم»، مشيراً إلى أنه لا يمكنه البقاء صائماً حتى انتهاء دوامه.
ورغم ما ذكره أكثر من 10 شرطيين لـ«الأخبار»، نفى آخرون أقوال زملائهم، مؤكّدين أن رؤساءهم يسمحون لهم بمغادرة نقطة عملهم بين الساعة السابعة والثامنة مساءً لتناول الإفطار، وأحياناً يستبدلونهم بأفراد من الطوائف الأخرى.
التناقض في أقوال الأفراد حسمه مسؤول رفيع في قوى الأمن الداخلي بقوله إن مؤسسة الشرطة تتساهل مع أفرادها العاملين في القطعات العملانية خلال شهر رمضان. فهي تحاول قدر المستطاع تفادي إرسال عناصر مسلمين في دوريات وقت الإفطار. وفي حال عدم وجود أفراد غير صائمين، تسمح القيادة لأفراد الدوريات بالتوقف أمام أي مطعم لتناول الإفطار. وذكر أن تكاليف الإفطار تكون على نفقة العنصر، لأن رجال الشرطة لا يتقاضون بدل نفقات طعام. وأشار المسؤول المذكور إلى أن أفراد الشرطة الذين يخدمون بدوام رسمي، تُخفَض خدمتهم خلال شهر رمضان إلى 4 ساعات يومياً.
إجراءات المديرية العامة للأمن العام في شهر رمضان مماثلة لتلك التي تتخذها قوى الأمن الداخلي، وفي معظم قطعاتها أفراد من طوائف غير إسلامية يتمكنون من استبدال زملائهم الصائمين وقت الإفطار.
أما جنود الجيش اللبناني المسلمين، فيتميّزون خلال شهر رمضان. فقد ذكر ضابط في الجيش اللبناني لـ«لأخبار» أن المؤسسة العسكرية تأخذ في الاعتبار وضع الجنود الصائمين خلال هذا الشهر، مشيراً إلى استثناء الجنود المسلمين من خدمة الحراسة والخروج بدوريات عند موعد الإفطار.