لم يعد للتلفزيون المكانة الكبيرة في قلوب الأطفال، الإنترنت والكمبيوتر يزاحمانه، وتتفوّق عليه أحياناً كثيراً ألعاب الفيديو. السؤال ينحصر عادة بمضار الترفيه التكنولوجي وفوائده، ونعتقد أن التلفاز «أقل ضرراً»، ولكن ثمة دراسات تؤكد أن هذه الألعاب تساعد الطفل على تطوير إمكاناته وخياله
جانا رحال
يمضي جاد محمود (9 سنوات) ساعات النهار أمام شاشة الكومبيوتر، ويعشق «الدخول إلى شبكة الإنترنت واكتشاف العالم الآخر، التلفزيون يشعرني بالملل، برامجه ليست مسلية، لذلك أفضل الإنترنت أو أن ألعب ألعاب الفيديو مع أصدقائي».
كامل عبد الله (8 سنوات)، وهو واحد من أصدقاء جاد، يقول إن ألعابه المفضلة هي تلك التي ينتصر فيها دائماً، يقول: «لا أحب التلفاز لأنني لا أستطيع الشعور بالفرح»، دون أن يدري، يلفت كامل إلى أن ألعاب الفيديو (أكانت برامجَ أم على شبكة الإنترنت) تمنحه شعوراً بالفرح، وهو ما يعجز عنه التلفاز رغم سطوته.
تشير مديرة مؤسسة «تالا» للوسائل التربوية الدكتورة نجلاء نصير بشور إلى أن الطفل يفضل الكمبيوتر والإنترنت، فعبر الإبحار فيهما يشعر الطفل بأنه يتحكم في اختيار المواقع والمعلومات، بينما دوره أمام التلفزيون سلبي، لأنه يشاهده فقط. وتضيف بشور أن البرامج التربوية الجدية والوثائقية لا تشد الطفل عادةً «لذلك يتجه إلى عالم الإنترنت المليء بالمعلومات والذي يؤمِّن التواصل مع الآخرين، فهذه الوسيلة هي أرخص وسيلة تواصل وأفعلها وأسرعها».
تدخل أحد مقاهي الإنترنت في المدن والضواحي فتجدها مكتظة بالصغار، في أحد مقاهي الطيونة، يجلس أطفال كل في مقعده، نسمعهم يتحدثون بصوت عالٍ، لوهلة نعتقد أن حواراً قائماً بينهم، أحدهم يصرخ «متت، يا حرام، قتلتك»، وآخر يقول «هلق بتشوف بالمرحلة الثانية»، في ركن آخر من المقهى مجموعة أخرى لا يأتي أي منهم بصوت، فالألعاب التي يتسلون بها تشد تركيزهم بشكل لافت، بين هؤلاء زياد عيسى (10 سنوات)، لا وقت لديه للدردشة، بسرعة يختصر أجوبته، دون أن يتلفت إلى السائل «أحب أن ألعب هنا أمام ورفاقي لنتعارك»، يشارك أحد أصدقائه في الحديث معلقاً «هنا نلعب كثيراً ونتسلى»، مروان رمال (8 سنوات) أيضاً يحب ألعاب الفيديو والإنترنت الذي يتكلم من خلاله مع أصدقائه «مش متل التلفزيون بقعد لحالي».
توضح بشور أن الألعاب عامةً تمثّل وسيلة تربوية مهمة، فمن أهم خصائصها المشاركة والتفاعل، كونها توفر للطفل خبرة غنية ينغمس فيها بعقله وعواطفه، ويستخدم كل حواسه لممارستها «وللألعاب التكنولوجية تأثير مضاعف، حيث إنها تجمع بين جاذبية التلفزيون الحاضن للصورة والصوت والحركة والنموذج، وجاذبية الألعاب وما تحمله من عناصر تعزز عملية التعلم».
وبهذا الصدد ظهرت دراسات جديدة مفادها أن ألعاب الفيديو تُعدّ وسيلة قوية للتعليم، وتنمي قدرات الطفل العقلية والفكرية. وفي دراسة نفذها أخيراً باحثون من جامعة فوردهام الأميركية، استطلعوا فيها آراء طلاب من الصف الخامس والسادس والسابع، اكتشفوا أن الأطفال يركزون أكثر على التخطيط وحل المشاكل خلال لعبهم بعكس المراهقين. كما أظهرت دراسة نُشرت في إطار مشروع «The Pew Internet and Life Project» الأميركي أن ألعاب الفيديو تساعد الأطفال على الاختلاط مع رفاقهم ومحيطهم. فضلاً عن أن الأشخاص الذين يلعبون يومياً يميلون إلى التكلم على الهاتف، وعبر البريد الإلكتروني ويمضون وقتاً طويلاً مع رفاقهم.
تؤكد بشور أن الألعاب عامةً والكومبيوتر يوفران عناصر التعلم التي تتمثل بالتحدي الذي يمثّل شرطاً للتعلم وزيادة الرغبة فيه، إضافة إلى التسلية والانغماس في حوض التجربة بكل الحواس. وتشدد بشور على ما تحمله هذه الألعاب من «إمكانات لتنمية مهارات ذهنية مثل المهارات الإبداعية، وحل المسائل والربط والتحليل، ووضع الاستراتيجيات».
من هنا تُعدّ الألعاب الإلكترونية وسيلة تربوية تنافس الوسائل كلها، وتؤثر على النمو الذهني والاجتماعي والحركي الذي يؤثر على التحصيل الدراسي للطفل. ولكن لكل وسيلة ما يحدد تأثيرها السلبي والإيجابي وهو مضمونها. فتلفت بشور إلى أن هناك جانبين سلبيّين للألعاب الإلكترونية، الأول يتمثل بالعنف والثاني هو الموقف المتحيز من بعض الشعوب.
تقول بشور إن الطفل في الألعاب الإلكترونية لا يشاهد بطله يُقتل ويُعذب وينتصر كما في الأفلام، بل يقوم هو بدور هذا البطل. وأسلوب العنف هنا يتطور مع تفوقه وانتقاله إلى مراحل متقدمة. وتضيف أن الطفل يصبح بعد فترة أقل رفضاً للعنف، فهو يمارسه ويمكن أن يسقطه على العالم الواقع من حوله «مما قد يؤدي إلى ما يسميه التربويون «مرض العالم اللئيم» Mean World Syndrome». وتضيف بشور أن الدراسات بيّنت أن الأطفال الذين تتّسم شخصياتهم بالعدوانية يُقبلون أكثر من غيرهم على اللعب العنيف. وهذا ما تعاني منه والدة محمد يوسف (9 سنوات)، تروي «ابني يلعب كثيراً على الكمبيوتر، يميل إلى ألعاب القتل والدمار والمعارك، وفي المنزل يحاول أن يطبّق الألعاب على إخوته». لا تعرف والدة محمد ماذا تفعل، إذ إنها لا تستطيع منعه من اللعب، ولا تجد الحل المناسب لمشكلته.
يدرك جلال حاطوم (10 سنوات) أن الألعاب التي يلعبها على الكمبيوتر ليست حقيقية، لكنه يستمتع بها لما تتضمنه من عنف وقوة وانتصار.
ترى بشور أن الكثير من الألعاب تحمل في طياتها موقفاً متحيزاً من الشعوب، لا سيما العربية منها، وتقول: «إن هذه الألعاب تدمج العنف مع الموقف المتحيز من الشعوب، فتترك تأثيراً على اللاعبين، لا سيما الصغار منهم، حتى لو كانوا يعون ذلك». وتنهي بشور بأنه من الصعب الوقوف حائلاً بين أطفالنا وهذه الألعاب الجذابة، وخاصةً أنه لا بدائل عربية تتماشى مع نمو أطفالنا وقيمنا.


لفت كتاب «Les Jeux video: pratiques, contenus et enjeux sociaux» إلى أن الذكور أكثر إقبالاً على ألعاب الفيديو، وجاء هذا الاستنتاج مدعماً باستطلاعات للرأي، ولكن ذلك لا يعني انقطاع البنات عنها، فنحو 46% من الفرنسيات الصغيرات يعشقن هذه الألعاب، ولكن اختياراتهن مختلفة عن اختيارات الصبيان