عبد الرحيم العوجيأعلم بأنها ستقرأ هذا المقال، وستقول لنفسها: «يالله شو بيكتب حلو هيدا الصبي، وشو جايي على بالي إتعرف عليه». ثم ستبدأ بملاحقة نصوصي من صفحة شباب إلى أخرى ما زلت أكتب فيها على الرغم من أنني بلغت من الكبر عتيّا، فحينها ستشعر بأني شخص مهم يتقن فن التعبير عن ذاته وعن ذاتها أيضاً، وستحلم بلقائي. وفي أحد الأيام ستقرر تحقيق حلمها بالتعرف إلي، لكن لدى سؤالها عني في مبنى الجريدة، سيأتيها الجواب بأنّ عبد الرحيم هو مجرد مستكتب يأتي متى يشاء ويرحل متى يشاء ولا ندرك لوقته جدولاً وله سبيلاً. ستشعر بخيبة أمل، إلّا أنّ عدم معرفتها بي ستجعلني أسطورة في مخيلتها، وكأنني كاتب مهم من القرن الماضي، لاقى حتفه نتيجة صراع طويل مع المرض أو صراع طويل مع الأنظمة الاستبدادية. تشعر بأنّها أخيراً وجدت من يفهمها في هذا العالم وهذا ما سيجعلها لا تتمنّى سوى لقائي. تمر الأيام، وفي إحدى المرّات سأدخل إلى مقهى في شارع الحمرا باحثاً عن أحد الأصدقاء هناك لأشاطره مللي وصمتي، وهناك سأجدها جالسة معه، سيعرفها بي باسم «عبد الرحيم» حينها سيمتلئء قلبها بالفرح والشكوك. «معقول يكون هو؟»، فرح وشكوك لن يؤكدهما سوى صديق لي «سئيل» يصرخ من باب المقهى: «حبيبي يا عوجي إنتَ هون؟».
«إنتَ عبد الرحيم العوجي»، ستصرخ فرحة «أنا اللي زمان جايي على بالي إتعرف عليك، لأنك عن جد بتعبّر عنا وعن مشاكلنا من خلال كتاباتك الصحافية». ستنهال علي بأسئلتها ولمساتها بحماس وحنان وكأنها طفل أعادوه إلى أبويه. أما أنا فسأشعر برجوليتي للمرة الأولى في حياتي، لأني وجدت أخيراً من يقدّرني ويؤمّن بمقدرتي. وفي هذه اللحظة ستبدأ قصة حبنا العظيمة.
وفي صباح اليوم التالي، سأتلو على نفسي هذا الحلم السخيف الذي قرأتموه. كما تلوته على نفسي منذ سن السابعة عشرة، أي منذ أن نشر لي أول مقال في الجريدة. ربما عليّ أن أتوقف عن فعل ذلك وأبدأ ببيع أفكاري للتلفزيون، فعساني حينها أن أشتري سيارة بالتقسيط وعساني حينها أن أجد الحب.